كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بين "الطباع" و"المارديني" لم تكن المشكلة في الأول فقط ليكون الحلّ مع الثاني فقط

أحمد حس- فينكس:

ليس فيما سيأتي طعناً بكفاءة وقدرات وزير التربية الجديد، محمد عامر المارديني، فالرجل، بحسب عارفيه، يمتلك كفاءة ومقدرة على العمل، لكن هذه الصفات الشخصية ليست مجال بحثنا هنا، خاصة وأنها ستكون على محك "الفعل" في التجربة الجديدة له.
والحال فإن الأمر يتجاوز ذلك إلى مسائل عدة أولها أن مشكلة الوزارة التربوية والتعليمية في الآن ذاته لا تتلخص بأداء وزير معين -على أهمية الكفاءات الشخصية- بقدر ما تعود إلى البيئة العامة التي تعمل فيها هذه الوزارة، وغيرها، وبالتالي لا يمكن إسناد أخطائها وعثراتها السابقة للوزير السابق وحده، رغم ما يتحمله منها فعلياً، كما لا يمكن انتظار حلها من اللاحق وحده أيضاً. والحال فإن مشكلة وزارة التربية، كما أراها -وقد أكون مخطئاً لأنني لست مختصاً- يمكن تلخيصها بأمرين اثنين، الأول البيئة العامة، والثاني "المعلم" ووضعه باعتباره أسّ العملية التعليمية ورأسها.
فالوزارة مثلها غيرها من الوزارات والمؤسسات تعمل في بيئة غير طبيعية وغير مستقرة، وبالتالي ما كان لها سوى أن تحمل ملامح المؤسسات العامة كلها: الشللية، الفساد، البيروقراطية، التكلّس في المفاصل الرئيسية، الجو العام الطارد للكفاءات.. وما إلى ذلك.
ثم أن هذه البيئة ذاتها لم تعد تقيم، نتيجة تغيرات عميقة حدثت فيها، وزناً كبيراً للعلم الذي تراجعت مكانته، ومكانة العامل فيه لصالح المال –وتحديداً "السهل" منه- وأصحابه، وبالتالي تدنت، بصورة كبيرة جداً، الدافعية العامة للتعلّم والتعليم، ويكفي أن نذكر هنا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف تغيرت بنية المجتمع العليا، ومن ضمنها بنية الطبقة السياسية في العالم العربي، من خريجي الجامعات أو "دار المعلمين العليا" الشهيرة، إلى أصحاب رؤوس الأموال وما يعنيه ذلك من تغير في، وعلى، سلم القيم المجتمعية، الأمر الذي دفع بالعلم نحو مرتبة أدنى من سواه، خاصة في ظل عالم "الميتا" الحديث الذي يجعل من "مجنون مؤثّر" على مواقع التواصل الاجتماعي أفضل وأعلى مرتبة مجتمعية، ومالية، من أي مفكر أو عالم حقيقي، وبالتالي فإن وجود شخص كفوء على رأس الوزارة، أي وزارة، لا يعني الكثير بدون تغيير كامل وجذري للبيئة داخل الوزارة وخارجها.
أما بالنسبة للمعلم، وكونه المدماك الأساس في العملية التربوية والتعليمية، فإن هذه "البيئة" تحديداً جعلت منه، ورغماً عنه بالمطلق، مشاركاً بالخراب، ويبدأ ذلك من "راتبه" الذي لا يكاد يكفيه أحياناً أجرة الطريق إلى المدرسة فكيف يساعده على تأمين متطلبات الحياة الكريمة؟! الأمر الذي دفعه دفعاً نحو الدروس الخصوصية والمعاهد الخاصة، وهو ما جعله أسيراً للطالب، و"المعهد" الذي "يدفع" أكثر وليس أسيراً لـ"رسالته" التي كاد بموجبها "أن يكون رسولا"، وصولاً إلى الطريقة التي يصل بها هذا المعلم إلى مكانه أمام "السبورة" عبر "مفاضلة عامة" تأخذه، خبط عشواء، حيثما تريد لا حيثما تؤهله مهاراته واستعداداته الفطرية، التي يُفترض أن يصقلها بالجامعة، كما يجب أن يكون عليه الحال.
كلمة أخيرة
ما سبق هو غيض من فيض، وبالتأكيد هناك عند المختصين الكثير من الأسباب الأكثر عمقاً، لكن ما يعنينا هنا أنه وبغض النظر عن كفاءات الأشخاص إلا أن بعض الوزارات، ومنها وزارة التربية، تتسم بطابع خاص فبغض النظر عن كفاءة الوزير السابق وانخراطه بالعمل التربوي لمدة ليست بالقصيرة إلا ان اختصاصه الأصلي لا يتسق، مع المنصب الذي أُسند إليه –وتلك قضية أخرى في دور "الملائمة السياسية" وأثرها في القبول العام- وما ينطبق على السابق ينطبق على الحالي صاحب الاختصاص الأصلي "الصيدلة"، فإذا كان المطلوب من هذا التغيير تقديم "الدواء" الناجع للوزارة إلاّ أن السؤال الطبيعي الذي يجب أن يطرح هنا هو: أين أصحاب الاختصاصات و"المشاريع" التربوية الأصلاء؟ وهل عقمت كليات التربية في جامعات القطر عن انتاج صاحب "مشروع" ورؤية أكاديمية وعملية؟!
عود على بدء، ومرة جديدة، هذا ليس انتقاصاً من كفاءة الوزير الحالي بل محاولة بسيطة للقول إنه يحتاج إلى أكثر من الكفاءة وتحديداً إلى فريق جديد وبيئة جديدة أكثر طبيعية وفاعلية في الآن ذاته.