كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"قول" مواطن مطحون عشيّة "القمة"

أحمد حسن- فينكس:
..وأُعلمك، حفظك الله ورعاك ورحم أمك وأباك، أننا دخلنا، عشيّة "قمة العرب"، أنا ورهط من الكتبة إلى مجلس الوزير أعزّه الله، لنشكو له سوء حال الناس وحالنا ووبال أمرهم وأمرنا وضياع مالهم ومالنا بسبب الغلاء والبلاء وجشع التجار وفجور الفجّار و"نوم" أولي الأمر والرقباء عنهم.

ولم نكد نأخذ أماكننا من المجلس حتى دارت علينا كؤوس من "عصير البصل" المحرّم في قول والمكروه في آخر والمباح في الثالث، فتبادلنا النظرات ما بين حائر وواثق ومقبل ومدبر، ثم عزمنا فامتدت أيدينا إلى الشراب بـ"فتوى": الناس على دين وشراب ملوكها، وبعد أن دارت الرؤوس وزاغت الأعين وثقلت الألسن، افتتح الوزير الكلام قائلاً لي: والآن يا هذا هلّا أخبرتني ما تقوله هذه "السفلة" عن شؤوني وما تغوص فيه هذه الدهماء من أموري، قلت ولي الأمان، قال أجل أيها الجبان، قلت، متسلّحاً بشجاعة نادرة يبدو أنها من تأثير "البصل، يا سيدي لماذا ترفعون الأسعار مع مطلع كل شمس وتسمونها "تعديلاً" و"تصحيحاً" بحجة "أن التكاليف متغيّرة ويجب أن تكون هناك مواكبة لها"، ثم لا تفعلون ذلك مع أجورنا احتراماً للنص الدستوري الذي يقول حرفياً: "لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها"، أي ببساطة ووضوح أجر "عادل" لـ"متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها".
ولماذا تجعلوننا نشعر أن "الحكومة" تحوّلت بكاملها عن دورها الدافع والداعم للإنتاج التنموي الزراعي والصناعي إلى وزارات "تجارة" و"جباية"، بحيث يبدو أنه ليس هناك من "وزارة" إلا وهمّها زيادة مواردها عن طريق رفع الرسوم والضرائب والأسعار التي تساهم في إخراج فاعل اقتصادي جديد أو مطرح انتاجي ما مع مطلع شمس كل يوم خارج العملية الاقتصادية، لـ"تسقط" فئة اجتماعية كل يوم تحت خط الفقر الشهير. 
وأضفت قائلاً لقد سمعنا مؤخراً معاون وزير الكهرباء الذي "بشّرنا" باقتراب زيادة أسعارها وأنت تعرف أن رفع أسعار حوامل الطاقة -والكهرباء أهمها لدرجة أن "لينين"، رحمه الله، قال يوماً إن الشيوعية اليوم هي كهربة روسيا- يرفع بالضرورة كافة أسعار السلع الأخرى، وبالتالي يعمد التجار وأصحاب المهن الخاصة إلى رفع أسعار خدماتهم "مواكبة للتغيّرات الجديدة"، وينخفض بالتالي دخل ذوي الدخل المحدود والمنخفض أصلاً.
وأذكّرك يا مولاي أن "بول كيندي"، رحمه الله أيضاً، حين قرأ في "نشوء وسقوط القوى العظمى" لمدة خمس مائة عام من تاريخها وجد أن النصر أو الهزيمة كانا حصيلة للاستثمار الكفء بصورة أو بأخرى لمصادر الإنتاج الاقتصادي لهذا البلد، أو ذاك، إبّان حربه، وبكلمة أخرى: إنهما حصيلة للطريقة التي كان بها اقتصاد ذلك البلد ينمو أو ينهار مقارنة بالآخرين.
وهنا لكزني صاحبي في خاصرتي فانتبهت إلى الوزير وقد احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه وتلوّن وجهه بين الأصفر والأخضر والأسود، ثم صرخ عليّ صرخة هائلة وقال: ما هذا الهراء الذي تتشدق به أيها الدعي؟ ومن أين جلبت هذه المصطلحات الغريبة: "الحكومة" والمواطن" و"الكهرباء" و"الاستثمار الكفء" و"فاعل اقتصادي"؟، ومن هو "لينين" أو ذلك "البول" الذي تتشدق باسمه؟!
ثم سكت هنيهة وطلب "شربة" ماء ثم تنحنح، ونحن وكأن على رؤوسنا الطير، وأضاف متوعداً: اسمع يا هذا إنني أحمد الله الذي أمكنني منكم ومكّننني من رقابكم وجعلكم لي عبيداً وجعلني عليكم سيداً وهازماً وفي أقداركم وأقواتكم متحكّماً، أتظنون أني لا أعرف حقدكم وكيدكم، أو أنني أجهل أن بعضاً منكم يصول ويجول على ما تدعونه وسائل التواصل الاجتماعي والغاً في حديثنا غامزاً من طرفنا شاكّاً في نوايانا، وأنا والله لو شئت لطبقت عليه قانون الجرائم الالكترونية وجعلته عبرة لمن يعتبر فيما جاورنا من العرب والعجم والبربر، ولكني بحمد الله، ومتسلحاً بـ"ثقة" من فوق، لا ألقي طرفاً إلى هذه الترهات ولا أبالي بمثل هذه "البوستات" التي أقصى همها جمع "اللايكات" التي يظن صاحبها أنه بذلك قد غيّر الحال وأقام من الأمور ما مال، متجاهلاً أنه لا يفعل سوى القول وهذا يجري سواء مع "البول"، فإذا كان الثاني يذهب في المجاري و"الأسيقة"، فإن الأول ليس أقل منه حظاً ولا أخطر منه وطئاً، وهذا والله فقط ما يسكتني عنكم ويمنعني من طلبكم وجلبكم إلى حيث لا ينفع أم ولا أب فكيف بـ"لايك" دعم و"حب"؟!
وصمت فنظرنا إلى بعضنا ثم طلبنا الإذن بالخروج فأشار بيده متأففاً فقبّلناها شاكرين له تجاوزه عن سيئاتنا وخرجنا نحمد الله على السلامة.. مؤجلين حديث "القمة" إلى حين.