كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أين ذهب كل المثقفين؟

أدناه مقتطف من كتاب بعنوان: "أين ذهب كل المثقفين ؟" لـعالم الاجتماع البريطاني فرانك فوريدي:
أين ذهب كل المثقفين؟

إنه سؤال نابع من هاجسين عميقين: فقدان "البوصلة الفكرية" ومشكلة "التسطيح المؤسسي". التسطيح الاجتماعي، معاملة الشعوب كأطفال لا كبالغيين، تسطيح المفاهيم والأعمال الفنية وغيرها بقصد أن تصل لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور، تدجين المثقفين والمفكرين داخل المؤسسات البحثية وتحوليهم لمجرد موظفين إضافة لتهميشهم أعلامياً ومجتمعياً وجعلهم محل سخرية، وفي المقابل دعم الفنانين ونجوم كرة القدم والإعلاميين وكتاب القصص وتصديرهم كنجوم وقادة ونماذج يحتذى بها والاعتماد عليهم في تشكيل وعي شعوبهم، فتكون النتيجة شعوب مسطحه بلا وعي ولا ذاكرة ولا عقل نقدي. فالجامعات بعد أن كانت بؤرة إبداعية وثقافية في الماضي، أصبحت مكاناً يضم الأذكياء رفيعي التعليم، وأكاديميين مهنيين، لكنهم بالتأكيد لا يعدون ضمن الطبقة المثقفة المؤثرة.

إن المثقف الحقيقي أصبح كائناً مهدداً بالانقراض؛ بسبب طوفان مدعي الثقافة الذين هيمنوا على الساحة الثقافية دون محتوى أخلاقي، على الرغم من أنه يفترض أن الثقافة عالية الأداء والجودة تتطلب بالضرورة مشتغلين رفيعي المستوى لا أن تتعرض للترهل بسبب اندفاع الأشخاص العاديين لميادينها الفكرية والأكاديمية، إنه يشاكس بذلك مجتمع الفلستينيين (والشخص الفلستييني: من يفتقر إلى الثقافة الليبرالية وتنحصر اهتماماته فيما هو مادي ومبتذل)؛ وعليه، نجد أن الساحة خسرت مثقفين بارزين لا يعوضون أمثال: برتراند راسل، أو ريموند ويليامز، وهما وغيرهما مثقفون يمتلكون الرؤية، والاهتمام بالقضايا العامة.

يجب تطوير الحياة الثقافية في الجامعات والمجتمع، إن الناس يستحقون مناظرة فكرية على درجة عالية من الجودة في المؤسسات الثقافية، بوصفهم أشخاصاً يحملون إمكانات كامنة كبيرة، وعلى قدر من الاحترام والتقدير.

أن يكون المرء مثقفاً يعني أن ينخرط اجتماعيا. يصعب على المرء أن يعيش من أجل الأفكار ولا يحاول أن يؤثر في مجتمعه، والأمر لا يتضمن فقط الانخراط في النشاط الذهني الإبداعي، بل أيضاً افتراض المسؤولية الاجتماعية واتخاذ المواقف...

المصدر: فرانك فوريدي، "أين ذهب كل المثقفين"، مكتبة العبيكان، 2010.  

المقتطف نشر على صفحة الجمعية العربية لعلم الاجتماع