كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عامٌ على غيابِ لواءِ السّيف و القلم..

أبي حسن- فينكس

غريبٌ عنّي هوَ وجهُ الموقع الأزرق في ظلّ غيابِ لواءِ السّيف و القلم عن ساحاتهِ التي عرفتهُ مُساجِلاً هذا المُثقف، و مُحارباً ذاكَ البغي و هذا الدعي، و مفنّداً مزاعمَ بعضِ الحاقدينَ على وطننا..

غريبٌ عنّي هوَ وجهُ الموقع الأزرق بعيداً عن دوحةٍ اسمُها "خاطرة أبو المجد" جمعت شُرفاءَ الناطقينَ بالضاد من كُرد و عرب و بربر و سريان.. الخ، ناهيكَ عمّن احتضنتهم من غيوري المَهاجر.
كان الدكتور و السفير اللواء "بهجت سليمان" (7 نيسان 1949- 25 شباط 2021) عبارة عن منظومةٍ ثقافيّة و فكريّة قائمة بحدّ ذاتها، فلا أحدَ يُنكر (حتّى خصومهُ، و حسّادهُ و ما أكثرهم!) موسوعيّةَ ثقافته و سِعةَ اطّلاعه، فضلاً عن امتلاكهِ ناصيةَ اللغة، حتى أنّ المُفكّر الراحل "صادق جلال العظم" كانَ يلقّبه (قبلَ الحرب على سوريا) بـ"صديق المثقّفين"، ووصفَ "د. العظم" هوَ القليل ممّا عُرِفَ به الدكتور "بهجت" الذي كانَ ما قدّمهُ خلالَ الحرب العدوانيّة على سوريا يُعادل عملَ أربعِ وزاراتِ إعلام و وزارتي ثقافة.
بعدَ معرفتي بالدكتور الراحل أواخر عام /2014/ كنتُ أتابع منشوراتهِ و خواطره و مقالاته و دراساته عبرَ صفحتهِ الشخصيّة التي ذاعَ صيتُها باسم "خاطرة أبو المجد"، و كنتُ أقف مُندهشاً أمامَ سُرعته في الكتابة، و حدّة ذكائه، و سُرعة بديهته، ناهيكَ عن اهتمامهِ بأصدقائه على مساحةِ الوطن العربيّ، و لهذا الجانب حديثٌ آخر..
واكبَت "خاطرة أبو المجد" تفاصيلَ الحرب الصهيو أمريكيّة على سوريا، وصارت -طوالَ فترةِ وجودها- مرجِعاً مُهمّاً للمعنيّين بالحدثِ السوريّ، و كانت إحدى مصادر وكالات الإعلام، فقد تجاوزَ عددُ متابعيها الأربعينَ ألف متابع، و الأهمّ أنّها -و إن لم تمثّل رسمياً وجهة نظر الدولة السوريّة- كانت تنبُض بوجدانِ كلّ وطنيّ سوريّ و عربيّ شريف، و تلهج بلسانِ حاله، و لَهذا ليسَ غريباً أن تتمَّ مُحاربة صفحتهِ مرّاتٍ عدّة، وصولاً إلى إغلاقها من قِبَل إدارة الفيسبوك. و قد كنتُ -بحكم قُربي من الدكتور الراحل و الأصدقاء العاملين في مكتبه- مُتابعاً لبعضِ تفاصيل الإغلاقِ و التوقيف المُتكرر لها، و ذلكَ على خلفيّةِ مواقفهِ المبدئيّة منَ الحرب الجائرة على وطنه، وهيَ مواقف كانت تزدادُ صلابة مع تتالي الأحداث، و بقيَ على مبدئيّته إلى أن سلّمَ الأمانة إلى باريها.
و قبلَ طيّ الحديث عن "خاطرة أبو المجد" و أسمائها الأخرى اللاحقة، تفرض عليَّ الأمانة القول إنّي ومن خلالِ تلكَ الدوحة الثقافيّة، و في أفيائِها الفكريّة تعرّفتُ على مُثقفينَ عرب كُثر في كلّ من "فلسطين" و "مصر" و "تونس" و "المغرب"، و استمرّت العلاقة بينَنا بعدَ أن وافى الأجل صاحبَ الفضل في تلكَ العلاقات النبيلة. و لعلّي لستُ الوحيد من أصدقاءِ" أبي المجد" و خاطرته مَن خرجَ بمثلِ هذا المكسب.
كانت السّمة الأساسيّة في حياة الدكتور "بهجت" هيَ "الصّدق"، و من كانَ من خصالهِ الصدق فمنَ الطبيعيّ أن يكونَ النجاح حليفَه، و لأنّهُ كانَ ناجِحاً و محطَّ ثقةِ قيادتهِ و عارفيه و مُحبّيه، فقد كَثُرَ حُسّادُه بما تنطوي عليهِ النفوس المريضة لأولئكَ الحُسّاد من تلفيقِ أخبار و مَرويّات ما أنزلَ الله بها من سُلطان، و عادةٌ ما يكونُ ردّهُ على أولئكَ المرضى بترديدِ بيتِ شعر جدّنا المتنبّي:
" فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ... تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ"
لم أسمعهُ ذاتَ مرة يتحدّث عن فضلهِ على أحد، مع معرفتي بأفضالهِ على كثيرينَ -أحدهم كاتب هذهِ السّطور- و لم أسمعهُ قطّ يروي حادثةً كانَ هوَ بطلها، فعلى سبيلِ المثال، عندما شاركَ في حرب تشرين 1973 و كانَ وقتذاك برتبة ملازم أول ارتأى القيامَ بعملية استشهاديّة خلالَ الحرب، و فيما هوَ ماضٍ في هذا السبيل تأتيهِ تعليمات منَ القيادة بألّا يتابعَ ما نوى الإقدامَ عليه..، هذهِ المعلومة لم يروِها هوَ (مع أنَّ من حقّه أن يرويَها مُفتخراً بها)، بل رواها بعضُ الشهودِ عليها.
تعرّضَ و هوَ في الأردن لمُحاولاتِ اغتيالٍ عدّة، و معَ ذلك لم يُتاجر إعلاميّاً بما كانَ يتعرّض لهُ مِن ضُغوط، بما فيها التهديد و مُحاولات الاغتيال، و لم يطلُب من قيادته إعفاءَهُ من مهامهِ هُناك على خلفيّةِ ما كانَ يواجهُه، بل ظلَّ سيفاً دمشقيّاً مُقاوماً ومُدافعاً عن بلادهِ في عاصمةٍ عربيّة إحدى مُبرّراتُ وجودِها هوَ التآمر على دمشق، ناهيكَ عن أنّها عاصمة مَوبوءة بأوكارِ المُخابرات العالميّة المُناوئة لسوريا، و في تلكَ العاصمة كانت "تستوطن" غرفة الموك...
لا أشعر بالسّعادة و أنا أكتُب عن فقيدِ الوطن الكبير الدكتور اللواء "بهجت سليمان" في الذكرى السنويّة الأولى لغيابه، إذ سعادتي هي لو أنه ما يزال بيننا، فرحيلُ أمثاله خسارة وطنيّة وإنسانيّة لا تُعوّض، لكن ما يواسينا أنّهُ تركَ لنا إرثاً غنيّاً منَ النضالِ و المواقف و الفكر و الثقافة و الأخلاق، سنبقى بهِ نُفاخِر، و أرجو أن نكونَ مِن مُستحقّي مواصلةِ المسير على الدرب الذي سارَ عليهِ لواءُ السّيف و القلم.. لروحهِ السلام حيثُ هوَ في الفردوس الأعلى.