كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تلك لم تكن مباراة كرة قدم فحسب

باسل علي الخطيب- فينكس

أجلت الكتابة حول هذا الموضوع يومين، كونني كنت غاضباً جداً، لأني ببساطة لو كتبت حينها و أنا غاضب، لكانت الكلمات قد أحرقت الأوراق حتماً....
حزنت لخسارة إيران مباراتها، و حزنت أكثر لأن الخسارة كانت ضد إنجلترا....
لكن غضبي ليس له علاقة بالخسارة، فتلك تبقى مباراة كرة قدم، غضبت، و قد شاهدت المباراة في أحد المقاهي، أن كل من كان في المقهى تقريباً كانوا يشجعون إنكلترا....
أعرف أن كلامي التالي لن يعجب الكثيرين، لكني أعيد و أكرر ماقلته سايقاً، وأصر عليه، أنا لا أكتب لكي أنال إعجابكم، ولا أكتب لأن (الجمهور عايز كده..)....
و لكي أستبق الأمور، إن تساءل أحدكم بأي حق أوزع صكوك الوطنية؟ أجيب بحق ذاك التاريخ إياه، و تلك المواقف إياها، وتلك الأثمان إياها......
كان بجانبي و على طاولة مجاورة مجموعة من الشباب، ذكور و إناث، جميعهم في العشرينيات من العمر، أولئك الشباب كانوا يفرحون بشكل هستيري كلما سجلت إنجلترا هدفاً، و تكاد تصيبهم سكتة قلبية إن اقترب اللاعبون الإيرانيون من مرمى الإنكليز، والحمد لله أن هجمات الفريق الإيراني كانت قليلة، و إلّا كنا اضطررنا أن نسعف إحداهن....
حسناً.. و عليه... وخطابي لهم ولمن هم على شاكلتهم، ولكل من يعتبر ذلك عادياً، أن ذلك مجرد لعبة أو مباراة....
في المرة القادمة التي تقترب فيها داعش أو أحد أخواتها من بيوتكم، وتدنو من غرف نومكم، اطلبوا من جيران و أقارب هاري كين أو هاري مغواير أو لوك شو، أن يأتوكم و يدافعوا عنكم، أن يخوضوا معكم أو بدلاً عنكم المعارك، أن يمخروا عباب رمال تلك الصحاري والبوادي، أن يتسلقوا أسوار تلك القلاع، وهاتيك الجبال، أن يضيعوا في أدغال أزقة المدن، كل ذلك وهم يواجهون الإرهابيين متراً متراً....
الإرهابيون إياهم الذين ارسلتهم ومولتهم و ساندتهم انكلترا....
و أخبروهم، أن أشلاء أجسادهم ستتناثر على طول هذه الجغرافيا، ولن نجد إليها سبيلاً، و أنه قد لا يعود منهم إلى أهاليهم إلا تلك الصفيحة المعدنية من على رقابهم...
اطلبوا من رئيس وزرائهم إياه، من برلمانهم الأكثر مثلية على مستوى العالم، أن يرسل لكم و رغم الحصار و العقوبات ناقلات النفط... بالمناسبة، هل لكم أن تبرقوا إلى حكومة انكلترا، عبر أي لاعب من لاعبيكم المفضلين، أن يلغوا حزم العقوبات التي فرضتها علينا؟...
ألا تبت أيادينا جميعاً، نحن الذين لم تقدر ولا نقدر نعم الله علينا، أمن فراغ حل بنا ماحل؟....
ويقول بعضكم ما الضير في ذلك؟ تلك ليست إلا لعبة كرة قدم ...
أقول نحن نستاهل كل ما حل بنا، و نستاهل كل ما سيحصل لنا... أنتوجه إلى الرب لنصرخ، ربنا لاتوأخذنا بما فعل إياهم منا؟...
على فكرة وبالمناسبة وكما يخبرنا القصص القرآني، كانت دائماً العقوبة جماعية والمكافأة فردية، وهذا ما أخشاه....
أما أنت أيها الشاب، يا من تصيح Yes كلما سجل المنتخب الانكليزي هدفاً في المرمى الايراني، أريد أن اذكرك عين عمك، انت الذي تنتعل تلك اللحية و ذانيك الشاربين، أن سيارة البابا التي أوصلتك إلى المقهى تسير ببنزين مصدره ايران، و تذكري عين عمك، أنت يامن كنت تصفقين ملىء يديك مع كل هدف لانكلترا، عندما ستعودين بيتك، أن المازوت في المدفأة التي ستجلسين حولها مصدره ايران.....
لا أستطيع أن أفهم و لا أريد أن أتفهم، كيف لكم أن تشجعوا إنجلترا ضد إيران، أن تشجعوا إنجلترا على العموم قد يكون ذلك مفهوماً، أن تشجع منتخبك الذي تحب على وجه العموم، هذا أمر مفهوم، و لكن و حتى في لعبة رياضية أن تتمنوا أن تفوز انكلترا أو فرنسا أو المانيا على إيران هذا ما لا أفهمه و لن أتفهمه.....
قد يقول بعضكم، هل يعقل أن تشجيعنا لإيران في مباراة كرة قدم، وعلى بعد مئات الكيلومترات سيغير شيئاً؟...
كلامي ليس في النتيجة، كلامي في بعض العرفان، كلامي في بعض الشكر، كلامي في بعض رد الجميل، حتى ولو من خلال التفاتة صغيرة كهذه...
المنظومة الوطنية كالمنظومة الاخلاقية، لاتتجزأ، ليس لها اكثر من معيار، لاترادف فيها ولاتناقض، ما هو صحيح هنا، صحيح هناك، وماهو خطأ هنا، هو خطأ هناك، وماهو صحيح أو خطأ آنذاك، هو صحيح أو خطأ الآن....
لا تقولوا لي هذه رياضة و تلك سياسة، الأمور عندي بعضها عن بعض لا ينفصل، بل هي عند الدول نفسها بعضها عن بعض لا ينفصل، الأمر عندي سيان سواء كانت معركة دبابات، أو مباراة بكرة الماء، أو عرض دور أزياء، أو ارتشاف فنجان قهوة....
لا أفهم و لا أتغهم كيف تعارض سياسات إنجلترا و تشجع منتخبها...
هذا استعمار و من نوع آخر، و هو على فكرة أخطر انواعه، أنه الاستعمار الفكري الثقافي، عقدة الخواجة إياها مرة اخرى، ولا تقولوا لي أنه لن يترك أثره في العقلية و طريقة التفكير.. أنه لن يترك أثره على المنظومة الأخلاقية والوطنية، بل إنه اثار أقدامه ستظهر في الكلام، و في التصرفات....
أتدرون ماهي المصيبة؟... المصيبة هي تلك الذهنية التي لا تعرف عن رغيف الخبز إلا تلك اللقمة التي نضعها في الفم...
خذوا علماً، تلك اللقمة من ذاك الرغيف التي وضعتها في فمك، كانت قد سلكت طريقاً طويلاً وشاقاً، حتى صارت بين اسنانك...
تلك المعجزة التي حققناها، أننا واجهنا و تجاوزنا تلك الحرب الإرهابية. خلفها الكثير من الدماء و الدموع والأهات، و الكثير من الأصدقاء الأخوة، و الذي يقف على رأسهم إيران، هؤلاء الذين لم يتخلوا عنا ولو للحظة، و لهم في رقبتنا دين إلى يوم الدين....
قد يقول قائل كأنك تحمل الأمر أكثر مما يستاهل، وانك في رايك هذا متطرف جداً، كلا أيها السادة، كلامي هو عين الوسطية، أننا حتى في أصغر الأمور نعترف بالجميل، حتى يستمر ذاك الجميل....
قد يخرج أحدهم ليقول، و لكن إيران تدخلت لأن لها مصالحاً في سوريا؟...
حسناً، أنت بكلامك هذا، لا تعيد اختراع الدولاب، و متى كانت الدول جمعيات خيرية؟...
يجلس أحدهم و قد ملأ مقعده، و ذانيك الزرين أسفل قميصه قد انفكا من كبر كرشه، ينفخ نارجيلته و قد وضع قدماً فوق الأخرى، ليتهكم و يتجهبذ أن روسيا و الكيان الصهيوني متفقان فيما خص الاعتداءات الصهيونية على سوريا.... ولاينسى في طريقه أن يتحفنا بانتقاد روسيا وايران، أنهم لا يردون على الصهاينة، بل تراه يتهكم عليهم....
أتعرف يا هذا أنه لولا روسيا لكنت الآن مع كرشك هذا تقف خلف ساتر ترابي ما تدفع داعش عن قريتك؟....
أتراها ذاكرة الدجاج أم ذاكرة السمك؟.....
على هذه الأرض ارتقى الكثير من الشهداء الروس، قطرة دم من أحد الجنود والضباط الروس كانت كافية لتجعلكم تصمتون، حتى لا أستعمل كلمة أخرى، أن تكفونا شر روعة تحليلاتكم و استنتاجاتكم...
بل يصل التهكم عند هؤلاء، وهم ليسوا قلة الآن على فكرة، أنهم يتهكمون على دولتهم أنها لاترد، ويصرخ أين هي كرامتنا؟.... وكأن هذه الدولة يجب ان ترسل لهم برقية في كل مرة ترد بطريقتها...
ذكروني، ألم احدثكم سابقاً عن تنظيم عرين الاسود؟...
ولنفترض أننا قمنا بالرد كما تريدون أيها الحهابذة، أقصد صاروخ بصاروخ، هل أنتم مستعدون لحرب شاملة؟.. هل أنتم مستعدون لحمل السلاح؟... أكاد أجزم بالإجابة أنها لا، وبعضكم ليس عنده حيل أن يقوم من مقعده لتسخين ابريق المتة....
ثم وعلى ذكر الكرامة، ألا تشعر أن كرامتك ممتهنة عندما يخبروك أن ابنك في المدرسة مشاغب وقليل الادب؟ ام أن تلك الكرامة مقتصرة على ذاك الصراخ؟...
أأكون وحيداً في هذه العقلية؟.... و ليكن، فأنا أعرف دائماً أن مخدتي في نهاية اليوم تنتظرني، تلك المخدة التي لطالما اعتبرتها أصعب المحاكم.....
وفق العقلية إياها أعلاه، لم أفرح و لن أفرح أن منتخب الكيان الوهابي قد هزم الأرجنتين، بل كنت أتمنى خسارتها... قد يقول قائل، لكن هذه دولة عربية إسلامية، حسناً، هل هناك دولة أضرت بنا بعد تركيا و قطر كالسعودية؟ أحيطكم علماً أيها السادة، أنه أتانا من الكيان الوهابي 19000 إرهابياً، عاثوا فساداً في دمائنا و بيوتنا، و قد يكون بعضهم من أقارب أولئك اللاعبين.....
أعود و أكرر الأمور لا تنفصل عندي بعضها عن بعض، ليست القصة أن النظام السعودي كان ضد بلدي و دولتي فحسب، أنما كان أغلب الشعب السعودي ضدنا، يتبرع بماله للأرهاببين، و يرسل أبنائه لقتلنا، هذا ليس حال السعوديين فقط، أغلب الشعب الكويتي و القطري و الليبي و الأردني و غيرهم كانوا ضدنا..... و إياكم أن تحكوا لي قصة آخر الليل إياها، تطبطبوا بها على ظهورنا لكي ننام، عن بلاد العرب أوطاني، فأولئك ليسوا إلا أولئك الأشد كفراً و نفاقاً إياهم....
نعم، قد تصالحهم الدولة، و سأقبل بذلك، فتلك سياسة، و الدولة أدرى بالمصلحة العامة، و لكن هذا لا يلزمني بشيء، لا يلزمني إلا بأن أقبل، و لكن لا يلزمني أن أنسى أو أسامح، فما بيني وبينهم بحر من الدماء و الدموع، و كم هائل من الغضب و الكراهية.....
و على الجهة الأخرى، وقف أغلب الشعب الإيراني معنا، وقف مع دولتنا و دفع بأبنائه ليكونوا إلى جانب أخوتنا كتفاً لكتف في مواجهة الإرهابيين....
أنا واثق أن أحدهم سينط ليقول لي، ألا ترى أن هناك ثورة في إيران، وان الإيرانيين الذي قاتلوا معنا، قاتلوا مجبرين...
حسناً، نعم هناك قرابة ثلث الشعب الإيراني ليس راضياً عن النظام في بلده، ألم يكن الأمر ذاته في سوريا؟ أن ربع أو ثلث هذا الشعب لم يكن راضيا، ليس لأنه لم يكن راضياً، بل لأنه لم يكن يعرف ماذا يريد، أنه قد بطر إلى الدرجة التي صار يفكر فيها على طريقة (و مالو )؟....
ألا تكفي تفاحة واحدة لتفسد كل التفاحات في الصندوق؟...
ما أغضبني أكثر فيما خص مباراة إيران - انكلترا، ان لاعبي المنتخب الايراني لم يؤدوا النشيد الوطني، ولسان حالهم أنهم يرسلون رسالة مساندة للاحتجاجات هناك، ألا يشبه الأمر في إيران بداياته في سوريا؟... أن بعضهم قد أحرق علم الجمهورية، و رفع مكانة علم آخر؟....
لو كنت مكان القيادة الحالية في إيران لانسحبت من كأس العالم، فكرامة البلد أهم من أي بطولة أو كأس....
خذوا علماً، كل سياط بلدي و لا أفضحه في أي محفل كان، أياً كان السبب، نعم، لو كنت مكانهم لانسحبت من كأس العالم، سواء عاد اللاعبون إلى بلدهم أم لا...
سيقول البعض لاحظوا تلك الروح الوطنية التي أظهرها اللاعبون السعوديون في مباراتهم مع الأرجنتين، مقابل تلك الروح الانهزامية للاعبين الإيرانيين أمام انكلترا....
الروح الوطنية ليست في مباراة كرة قدم، وان كانت هي هنا جزئية مهمة، أنك تلعب باسم ذاك القميص الذي يحمل شعار البلد... الروح الوطنية تظهر حقاً وانت تواجه الموت عياناً، ولاتهرب، لأن خلفك كل الوطن وكل الدولة... أخبروني، كم عدد القتلى السعوديين في حرب اليمن التي تشنها السعودية؟... بل كم عدد الجنود السعوديين في الجيش السعودي هناك؟... كم من مرة شاهدنا الجنود السعوديين وهم يهربون امام الحفاة اليمنيين، وقد هاجموهم في عقر دارهم ودخلوا اراضيهم؟... اين هي تلك الروح الوطنية التي تتحدثون عنها؟....
أما عن تلك التي يسمونها ثورة في إيران فذاك حديث آخر، سيكون له مقاله المطول الخاص...
تلك صكوك الوطنية اكتب عنها و أوزعها و سأظل اكتب عنها و أوزعها، لا أقول أنني امتلك حقاً حصرياً في توزيعها، لكن أقول أنني امتلك كل الحق في توزيعها، شاء من شاء، و أبى من أبى، معياري في التعامل مع أي شخص أو أي دولة موقفهم من بلدي و دولتي سوريا في هذه الحرب...
سأتفهم أن تصالح دولتي بعضهم.... و قد أسامح، اسمعوا جيداً قد أسامح، ليس لشيء، إنما لسبب وحيد، لكي لا ألتقيهم مرة ثانية عند اللّه، و لكن قولاً واحداً لن أنسى...
قولاً واحداً لن أنسى....