كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

التفكير خارج الصندوق

باسل علي الخطيب- فينكس

هناك قانون في علم الكيمياء يدعى قانون "لوشاتيليه"، يتلخص هذا القانون فيما يلي "إذا حصل خلل في التوازن في تفاعل ما، فإن التفاعل ينزاح في الاتجاه الذي يعاكس سبب هذا الخلل لإعادة التوازن"....
يطابق هذا القانون قانون آخر في علم الفيزياء هو قانون "لنز"، الذي يقول "تكون جهة التيار المتحرض في دارة ما بحيث يؤدي إلى أفعال تعاكس السبب الذي أدى إلى حدوثه".
لنز ولوشاتيليه لم يأتيا بهذين القانونين من خيالهما، بل من خلال التجربة العلمية في المختبر.
كل القوانين التي نعرفها ليست إلا إنعكاساً لثوابت كونية، نحن لم نخترع هذه القوانين، نحن فقط وجدناها، ومن ثم صغناها على شكل علاقات. قانونا لوشاتيليه ولنز ليسا إلا إنعكاساً لقانون طبيعي ثابت، ألا وهو : إن حصل خلل على مستوى التوازن البيئي في الطبيعة، فإن الطبيعة ستعمل على إعادة التوازن بأفعال تعاكس السبب الذي أدى إلى حدوث الخلل.
لن أناقش إن كانت الطبيعة تملك وعياً ذاتياً كما يقول الملحدون، أو أنها تتصرف بإرادة الخالق كما يقول المؤمنون، نحن نناقش القول أعلاه وفق مبدأ الفعل ورد الفعل، وهذا مبدأ كوني ثابت يتفق عليه الجميع....
كتبت قبل سنوات مقالاً قلت فيه أننا مقبلون على عصر جليدي، قد يكون قصيراً، كان اعتراض البعض على المقال أن الأرض تشهد ارتفاعاً حرارياً ملحوظاً، وهنا بيت القصيد، رد فعل الطبيعة سيكون بفعل يعاكس الخلل. نعم، قد نكون مقبلين على عصر جليدي، السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا سيحل بالحياة على الأرض؟ أعتقد أن النسبة الأكبر من الكائنات الحية ستموت، سيهلك أغلب البشر، أما بسبب البرد أو المجاعات أو الصراعات، سيكونون هم القلة الباقية البقاء، ستختفي كل وسائل الحضارة التي نعرفها، وسينسى الناجون خلال 15 إلى 20 سنة كل حيواتهم السابقة، وستترسخ منظومة قيم مختلفة جذرياً عن السابق، أما من سيولد خلال هذه الفترة، فسيستفيق على الحياة على أنه ليس إلا كائناً بدائياً، ليس لديه أو من حوله أي من مقومات الحضارة، حتى القلم والورقة والقداحة...
أسهبنا في وصف مابعد العصر الجليدي، لنطرح السؤال التالي، لماذا لايكون الإنسان الذي عاش في الكهوف سابقاً قبل 20 أو 30 ألف عام، تلك المرحلة التي تم تصنيفها على أنها إحدى مراحل تطور البشرية في السلم الحضاري، لماذا لا تكون تلك المرحلة هي المرحلة الأخيرة لحضارات سابقة وصلت إلى ذروتها، و فعلت مافعلت، وعاثت فساداً في الأرض، فكان رد فعل الطبيعة عنيفاً فأبادتها؟.... طبعاً هذه التساؤلات الاستنتاجات تعارض بالمطلق كل ماهو موجود حالياً عن التطور البشري، ولكن أليست احتمالات تطرح؟...
كاتب هذه السطور من النوع الذي يطرح الكثير من الأسئلة، و لا يتقبّل النظريات العلمية إلا تلك التي تثبتها التجربة، أو تلك التي لها تجليات روحانية أو فلسفية. خذوا المثال التالي، في الرياضيات، العدد الموجب ضرب الموجب هو موجب، والسالب ضرب السالب هو موجب، والموجب ضرب السالب هو سالب، والسالب ضرب الموجب هو سالب، ولكن لماذا؟ مع انها بديهية يقبل بها المليارات، ولكن لم أقبلها بديهية حتى وجدت تفسيراً لها، الموجب ضرب الموجب هو موجب، يعني أن إحقاق الحق هو حق، الثانية هي إنكار المنكر هو حق، الثالثة هي إحقاق المنكر هو منكر، الرابعة هي إنكار الحق هو منكر.....
تشعر بالارتياح عندما تصل إلى تفسير يحقق الانسجام بين الطبيعة وتلك العلاقات الرياضية. لتأخذ مثالاً آخر، لنأخذ مثلثاً قائماً متساوي الساقين طول ضلعه 1سم، سيكون طول وتره جذر ال 2، إذا أردنا رسم هذا المثلث سنستطيع ذلك، وسنرسم الوتر، أي سيكون الوتر محدداً له بداية ونهاية، ولكن إليكم المفاجاة، جذر ال2 الذي هو طول الوتر هو عدد غير منته، أي أنه لانهائي، ولكننا رسمناه وهو محدد، هذا يطرح السؤال الكبير التالي، هل يمكن للانهائي أن يكون نهائياً؟ هل يمكن للمحدود أن يكون لا محدود؟ هل من تفسير أو إسقاط لهذه النتيجة المتناقضة؟....
النتيجة السابقة قد تكون متناقضة في ظاهرها، ولكن ألا نستطيع أن نقول إن تلك القدرة الإلهية اللامحدودة تظهر على شكل لطف جميل محدد، كأن تنقذك تلك القدرة من حادث ما، ألا يتجلى بهذه الطريقة ذاك الوتر المحدد؟...
حياة الإنسان على مدى تاريخه كانت عبارة عن كم هائل من الأسئلة، بل أن التاريخ الإنساني هو مخرجات تلك الأسئلة، تقول "ناسا" وبقية وكالات الفضاء، أن كوننا يحتوى مليارات المجرات، وكل مجرة تحوى مليارات مليارات الأجرام، السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا كل هذه المادة في الكون؟ مالفائدة منها؟....
للطبيعة ميزة لاتترك أي فرصة إلا و تظهرها، و هي أن الطبيعة بخيلة وبخيلة جداً، لكل دقيقة مادية وظيفتها ومكانها في كل ذاك التوازن الدقيق، و أن كل مايحصل من عمليات في الطبيعة ماهو إلا تحول المادة من شكل إلى آخر، أو تحول المادة إلى طاقة، أو بالعكس، مع بقاء الكمية كما هي....
وعليه ومرة أخرى، لماذا كل تلك النجوم والكواكب بالمليارات؟ أم أن علينا أن نعيد صياغة السؤال، ونسأل، هل ماتخبرنا به "ناسا" وغيرها حقيقي؟ هل حقاً يوجد هذا الكم الهائل من المجرات؟،الإجابة على هذا السؤال ستكون موضوع مقال آخر.....
لطالما كانت قناعتي أن كل مايتم تسريبه من معطيات (علمية) ليس إلا أحد أدوات القوة الناعمة للسياسة، قام العالم الكمومي كله على مبدأ الشك لهاينزبرغ، وحسب هذا المبدأ ليس هناك شيء حتمي ونهائي، كل ماحولنا خاضع للارتياب وللاحتمالات، ألا يجعل ذلك كوننا عبارة عن فوضى ولكنها فوضى منظمة؟ أوليست حياتنا عبارة عن فوضى منظمة؟ ماذا عن تلك الاحتمالات، هل هي لانهائية؟ ألا يشبه هذا ما قلناه عن ذاك الوتر إياه؟....
لا ندعي أننا نعرف الأجوبة، ولكن نعتقد أننا قد طرحنا بعض الأسئلة الصحيحة....
إن معيار العين ماتراه، ومعيار العقل علمه، والحقيقة كالكعبة نُيمم وجهنا شطرها من جهات متعددة وكلها صحيحة، وقد لا نصلها جميعاً، ولكن حين يقف أحدنا أمام الكعبة والحقيقة وجهاً لوجه، فما عليه إلا الخشوع والإقرار...