كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الهندوسية ديانة الهند

مروان حبش- فينكس

تُعتبر الهندوسية واحدة من أقدم الديانات في العالم، تمتاز بتنوعها وغناها الفكري والثقافي، وتعتبر نظامًا دينيًا وفلسفيًا متكاملًا يضم مجموعة واسعة من المعتقدات والممارسات.
بدأت الهندوسية في وادي السند (حوالي 2500 قبل الميلاد)، حيث ظهرت حضارة متقدمة تضمنت ممارسات دينية. وتُعتبر "أسفار الفيدا أي المعرفة" أقدم النصوص الهندوسية، والتي كتبت بين 1500 و500 قبل الميلاد، وأوضحت الدين وهو في طريق التكوين، من نزعته الروحانية البدائية، حتى وحدة الوجود الفلسفية، وبدءاً من الخرافة والسحر، وانتهاءً إلى الوحدانية الجليلة كما ذُكرت في أسفار "يوبانشاد، ومعناها: الجلوس بالقرب من المعلم". والخطوة الأولى في هذه الأسفار، هي أن جوهر النفس في المخلوقات ليس هو الجسم، ولا هو العقل، ولا هو الذات الفريدة ولكنه الوجود العميق الصامت الذي لا صورة له، الكامن في دخيلة أنفسنا، هو "أتمان، نفس النفوس كلها، روح الأرواح كاها، والمطلق الذي لا مادة له ولا صورة. والخطوة الثانية فهي "براهمان، وهو الكيان الأسمى والمطلق في الهندوسية، أي روح العالم غير المشخصة، وهو جوهر العالم الواحد الشامل الذي لا هو بالذكر ولا هو بالأنثى، هو حقيقة الحقيقة المحتوي لكل شيء والكائن في كل شيء، هو الروح الذي لم يولد، ولا يتحلل، ولا يموت". والخطوة الثالثة هي أن "أتمان" و "براهمان"، إن هما إلا في واحد بذاته، هما حقيقة واحدة. وهذا هو صميم أسفار "الأوبانشاد"، حيث عقيدة تناسخ الأرواح ثم تكوينها – عقاباً لها تنزله الآلهة بالإنسان إذا عاش الشر في حياته-، وحيث الشوق إلى الخلاص من هذه الدورات التناسخية وعدم العودة إلى الولادة من جديد، وإلى الاتحاد في نعيم أسمى مع روح العالم..
أثرت الهندوسية بالعديد من الثقافات وخاصة، الأديان الأخرى التي انشقت عنها، مثل البوذية والجاينية، وساهمت في تشكيل معتقداتها وممارساتها.
تُعتبر الهندوسية ديانة متعددة الآلهة، حيث تُعبد جميعها، وتتركز المعتقدات الأساسية لها في:
-مفهوم الإله، البراهمان، الأكثر تشخصاً، وهو أحد الثالوث الإلهي "براهما، فشنو، شيفا".
- الكارما: أي قانون السبب والنتيجة، حيث تؤثر الأفعال الجيدة والسيئة على حياة الفرد.
- السمسارا: أي دورة الحياة والموت والتجدد، حيث يُعتقد أن الروح تمر بدورات متعددة حتى تصل إلى التحرر (موكشا).
- يُعتبر التحرر "موكشا" من السمسارا الهدف النهائي في الحياة الهندوسية، ويتحقق من خلال المعرفة الروحية والتأمل.
النصوص المقدسة
1-الفيدا: وهي مجموعة من النصوص المقدسة في الهندوسية، وتعتبر من أقدم النصوص المقدسة في الثقافة الهندية. وتشمل مواضيع فلسفية، طقوس دينية، ومعرفة علمية، وتعتبر أساساً للعديد من الممارسات الهندوسية، وهي تمثل جزءاً أساسياً من التراث الروحي والثقافي للهند. ويعتقد أنها كُتبت بين 1500 و 500 قبل الميلاد. وتتكون من أربعة كتب "فيدات" رئيسية:
ريغ فيدا: يحتوي على ترانيم وتراتيل دينية.
ياجور فيدا: يركز على الطقوس والتضحيات.
سامافيدا: يتضمن أغاني وتراتيل موسيقية.
أثارفافيدا :تحتوي على تعاليم دينية وطقوس، وتعويذات ونصوص طبية.
2-الأوبانشاد: وهي نصوص فلسفية التي تعتبر جزءاً من الفيدا، وتتناول موضوعات مثل الميتافيزيا، الروحانية، والمعرفة الذاتية، وموضوعات مثل طبيعة الروح "أتمان"، العلاقة بين ألأتمان "الروح الفردية" والبراهمان "الروح الكونية"، ومفاهيم مثل المايا "الوهم" ويرجح أنها كتبت في الفترة ما بين 800 و 400 قبل الميلاد. وهي أساساً للفكر الفلسفي الهندي، ولها تأثير كبير على مختلف المدارس الفكرية في الهندوسية، وتمثل قمة الفكر الروحي في الهند القديمة، وتستمر في التأثير على الفلسفة والدين حتى اليوم.
3-المهابهاراتا والرمايان، ملحمتان كبيرتان تحتويان على قصص وأحداث تاريخية ودروس أخلاقية.
- تعزى ملحمة المهابهارتا إلى المؤلف "فياسا"، وتتناول الصراع بين عائلتين، "الباندفاس والكورافاس"، وتتناول مولضيع مثل الحرب، والعدالة، والأخلاق، والدروس الحياتية. وتحتوي علة 18 كتاباً، وتشتمل على نصوص فلسفية ودينية. ويعتقد أنه كتبت بين القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد.
- وتروي ملحمة الرمايان، التي تعزى إلى الشاعر فالميكي، قصة الأمير "راما"، الذي ينقذ زوجته "سيتا" من الوحش "رافانا"، وتتناول مواضيع مثل الحب، الولاء، والشجاعة. وتتكون من سبعة كتب، وتحتوي على الكثير من الشخصيات الرمزية. ويعتقد أنها كتبت في الفترة ما بين القن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي.
الطقوس والممارسات:
الطقوس اليومية: تشمل الصلاة (بوجا)، التأمل، وتقديم القرابين للألهة.
الأعياد: يُحتفل بالعديد من الأعياد مثل ديوالي وهولي، التي تعكس الفرح والتجدد.
الحج: يُعتبر نهر الغانج مكانًا مقدسًا، حيث يقوم العديد من الهندوس بالحج إليه لأداء الطقوس الدينية.
تأثير الهندوسية على الثقافة:
1-الفنون: أثرت الهندوسية بشكل كبير على الفنون التشكيلية والموسيقى والرقص في الهند.
2-الفلسفة والأخلاق: قدمت الهندوسية أسسًا فلسفية وأخلاقية تشكل جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية والسياسية في الهند.
3-المجتمع: تساهم الهندوسية في تشكيل نظام الطبقات الاجتماعية المعروف بالنظام الطبقي، الذي يقسم المجتمع إلى أربع طبقات رئيسية..
تظل الهندوسية واحدة من أكثر الديانات تأثيرًا وتعقيدًا في العالم، حيث تجمع بين الروحانية العميقة والتنوع الثقافي. تمثل هذه الديانة رحلة بحث عن الحقيقة والمعنى، وتستمر في التأثير على حياة الملايين حول العالم.