كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المؤتمر السوري (العربي) الأول

مروان حبش- فينكس

عُقد المؤتمر السوري الأول في القاعة الكبرى للجمعية الجغرافية بشارع سان جرمان في باريس من يوم الأربعاء 18 حزيران إلى يوم الإثنين 23 حزيران من عام 1913 كان حدثًا محوريًا في تاريخ الحركة القومية العربية وتطور الفكر السياسي في المنطقة العربية خلال فترة الإمبراطورية العثمانية. جرى هذا المؤتمر في ظل الظروف السياسية المتوترة التي كانت تسود المنطقة، حيث كانت الشعوب العربية تسعى للتعبير عن هويتها القومية ومطالبها السياسية في وجه التحديات الاستعمارية العثمانية.
خلفية المؤتمر
في أوائل القرن العشرين، بدأت تتشكل حركات قومية في العالم العربي نتيجة للتأثيرات الأوروبية وأفكار النهضة العربية. وكانت سوريا الكبرى، التي تشمل بلاد الشام (سوريا الحالية، لبنان، فلسطين، والأردن)، مركزًا لهذه الحركات. أدت السياسات القمعية التي انتهجتها السلطات العثمانية، وخاصة بعد الانقلاب العثماني عام 1908، إلى تصاعد الاحتقان بين العرب والسلطة العثمانية.
ولقد نشأ شعور عام لدى عدد من المتنورين بضرورة مواكبة نهضة عربية، وعلى هذا الأساس تأسس حزب اللامركزية (اتخذ مقره في القاهرة) وفروعه في البلاد، وتألفت الجمعية العمومية الإصلاحية في بيروت.
أما فكرة المؤتمر السوري فقد فكر فيها خمسة شباب تصادف وجودهم في باريس وهم: عبد الغني العريسي من بيروت، عوني عبد الهادي من نابلس، محمد المحمصاني من بيروت، جميل مردم من دمشق، توفيق فائد من بيروت. ولاقت الفكرة استجابة كبيرة وخاصة من أبناء الجالية العربية في فرنسا، وعلى إثرها انتخبت هذه الجالية لجنة تحضيرية من: شكري غانم، عبد الغني العريسي، ندرة مطران، عوني عبد الهادي، جميل مردم، شارل دباس، محمد المحمصاني، جميل معروف. وكان من أهم مهامها مراسلة الجماعات العربية تمهيدا لعقد المؤتمر، كما قررت اللجنة أن ترتبط بحزب اللامركزية الإدارية بصفة رسمية
أهداف المؤتمر
هدف المؤتمر السوري الأول إلى مناقشة وتحديد موقف العرب من الحكم العثماني، وطرح مطالبهم بالإصلاحات السياسية والإدارية. كان من بين أهم أهداف المؤتمر:
1-ضرورة الإصلاح على قاعدة اللامركزية: سعى المشاركون إلى الحصول على درجة من الاستقلالية داخل الإمبراطورية العثمانية، بما في ذلك إنشاء إدارات محلية تتمتع بسلطات واسعة.
2-ا حقوق العرب في المملكة العثمانية، والحفاظ على الهوية العربية: أكد المؤتمر على ضرورة حماية اللغة العربية والتراث العربي من محاولات التتريك التي كانت تمارسها السلطات العثمانية.
3- الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال، والتأكيد على الوحدة العربية: دعا المؤتمر إلى وحدة الأقاليم العربية وتضامنها في مواجهة التحديات المشتركة.
المشاركون في المؤتمر
شارك في المؤتمر عدد من الشخصيات البارزة في الحركة القومية العربية من مختلف أنحاء العالم العربي. ومن بين هؤلاء، كان عن اللجنة العليا لحزب اللامركزية: عبد الحميد الزهراوي، إسكندر عمون، الشيخ رشيد رضا، محب الدين الخطيب. وعن اللجنة الإصلاحية العمومية في بيروت: سليم علي سلام، .أحمد مختار بيهم، خليل زينية، الشيخ أحمد حسن طبارة، الدكتور أمين ثابت، ألبير سرسق. عن العراق: توفيق السويدي، سليمان عنبر. عن بعلبك: أبراهيم حيدر، محمد حيدر.عن المهاجرين للولايات المتحدة، من جمعية النهضة اللبنانية: نعوم مكرزل، ممثل جمعية الاتحاد السوري نجيب دياب، إلياس مقصود، ممثل جمعية سورية الفتاة جميل معلوف. عن المهاجرين للمكسيك: عباس بجاني.عن جالية باريس: شكري غانم، عبد الغني العريسي، ندرة حبيب مطران، عوني عبد الهادي، شارل دباس، خيرالله خيرالله، جميل مردم، محمد المحمصاني. عن جالية القسطنطينية: عبد الكريم الخليل. رشيد رضا، وشكري غانم، والذين لعبوا دورًا محوريًا في صياغة الأفكار والمطالب التي تم تبنيها في المؤتمر.
نتائج المؤتمر
على الرغم من أن المؤتمر لم يحقق نتائج مباشرة في شكل تغييرات سياسية فورية، إلا أنه أسس لمرحلة جديدة من الوعي القومي العربي. كان المؤتمر نقطة تحول في تأكيد العرب على حقوقهم في تقرير مصيرهم، وساهم في توحيد الجهود القومية التي ستتبلور لاحقًا في الانتفاضات والثورات ضد الحكم العثماني، وصولًا إلى تأسيس دول مستقلة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكانت قراراته:
1-إن الإصلاحات الحقيقية واجبة وضرورية للملكة العثمانية فيجب أن تنفذ بوجه السرعة.
2-من المهم أن يكون مضموناً للعرب التمتع بحقوقهم السياسية، وذلك بأن يشتركوا في الإدارة المركزية للملكة اشتراكاً فعلياً.
3-يجب أن تنشأ في كل ولاية عربية إدارة لامركزية تنظر في حاجاتها وعاداتها.
4-الموافقة على مطالب ولاية بيروت بتوسيع سلطة المجالس العمومية، وتعيين مستشارين أجانب.
5-اللغة العربية يجب أن تكون معتبرة في مجلس النواب العثماني، ويجب أن يقرر هذا المجلس كون اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية.
6-تكون الخدمة العسكرية محلية في الولايات العربية إلا في الظروف والأحيان التي تدعو للاستثناء الأقصى.
7-يتمنى المؤتمر من الحكومة السنية العثمانية أن تكفل لمتصرفية لبنان وسائل تحسين ماليتها.
8-يصادق المؤتمر ويظهر ميله لمطالب الأرمن العثمانيين القائمة على اللامركزية.
9-سيجري تبليغ هذه القرارات للحكومة العثمانية السنية.
10-وتبلغ أيضاً هذه القرارات للحكومات المتحابة مع الدولة العثمانية.
كما أقر المؤتمر الملحق التالي بقراراته:
1-إذا لم تنفذ القرارات التي صادق عليها المؤتمر فالأعضاء المنتمون إلى لجان الإصلاح العربية يمتنعون عن قبول أي منصب كان في الحكومة العثمانية إلا بموافقة خاصة من الجمعيات المنتمين إليها.
2-ستكون هذه القرارات برنامجاً سياسياً للعرب العثمانيين، ولا يمكن مساعدة أي مرشح في الانتخابات التشريعية إلا إذا تعهد من قبل بتأييد هذا البرنامج وطلب تنفيذه.
3-المؤتمر يشكر مهاجري العرب على وطنيتهم في مؤازرتهم له ويرسل لهم تحياته بواسطة مندوبيهم.
ولقد اهمر على المؤتمر، برقيات دعم وتأييد، من كافة الأنحاء، في الوطن أو من العرب في بلاد الاغتراب، ومن بينها برقية من السيدة العربية أ. قندلفت التي تقيم في بروكسل، ورد فيها: (حضرات أعضاء المؤتمر العربي، كونوا يداً واحدة لأنه بالاتحاد يتم كل شيء، ويد الله معكم وعينه ترعاكم). وبرقية من السيدات شفيقة غريب، وداد محمصاني، عنبرة سليم سلام، ومما ورد فيها: (أورثنا الأجداد عزة النفس والأنفة فيجب حفظ الموروث حق حفظه. فلتنزع السلاسل، ولتحل القيود، وليمزق ثوب الاستكانة ، وليبدد غبار الخمول، ولتنقشع الغيوم السوداء عن حياة العرب.
فلتحيوا أيها المجاهدون الأبطال ولتحيا مبادؤكم الشريفة السامية، أثبتوا وسيروا في سبيل نيل مطالبكم العادلة، وليمجد التاريخ ذكركم).
أهمية المؤتمر
يُعتبر هذا المؤتمر من الأحداث التاريخية المهمة التي وضعت الأسس الأولى للحركة القومية العربية. لقد ساعد في بلورة الأفكار السياسية لدى العرب وأوضح أن هناك رغبة حقيقية في التحرر من السيطرة العثمانية، وفي بناء هوية قومية مستقلة. كما ساهم في تشكيل الرأي العام العربي وتعزيز الروابط بين المفكرين والسياسيين العرب في تلك الفترة.
ويعد هذا المؤتمر علامة فارقة في التاريخ العربي الحديث، حيث مثّل بداية لتحركات سياسية أكثر تنظيمًا ضد الحكم العثماني، وقدم للعالم رسالة واضحة عن تطلعات الشعوب العربية للحرية والاستقلال.