كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"سوناتا الغياب" مهداة إلى محمد الماغوط في الذكرى الثامنة عشرة لرحيله

ناصر الماغوط

-1-
محمد الماغوط
مضى زمن على غيابك.
بيتك في حي المزرعة عشش فيه العنكبوت
ولا من مجيب لمن يقرع بابه.
-2-
بائسة تلك الشوارع التي لم تعد تطؤها قدماك
كنت تمشي مسافات طويلة
من منزلك في حي المزرعة
حتى تصل إلى مقهى “أبو شفيق” في الربوة
أيام كانت دمشق أحلى
ثم اختصرت ذلك المشوار
لتستقر يوميا في مقهى البرازيل
قبل أن تفرض على نفسك الإقامة الجبرية في منزلك
في سنواتك الأخيرة.
- 3 -
طال غيابك
زكريا تامر يتذكر أيام كنتما معا في صحيفة تشرين
ويسترجع الناس مقالاتكما المتناوبة على الصفحة الأخيرة
ويتناقلون ما كتبه كل واحد منكما
أتحدى اليوم أن يذكر قارئٌ فكرةً او فقرةً قرأها قبل نصف ساعة على فيسبوك وأخواته.
-4-
أبا شام وسلافة
محظوظ من يعرفك من ثمارك فقط
أما أنا، فحزين لأنني أعرفك عن قرب
و لم أمنحك ما تستحقه من الحزن.
كنت تتصل بي
فيأتيني صوتك الأجش: "وينك"
فأهرع إليك كالعاشق الذي يركض للقاء حبيبته
كنت أتطلع إليك وأنت غارق في صمتك
نشوان، متبرما، قلقا
وسط سحابة من الدخان تحيط بك
كنت أسترق النظر إليك
فلا أرى سوى كتلة من الصمت والضجر والقلق
فأسأل نفسي من شك ومن ريب
أ هو حقا من يكتب تلك الأعمال العظيمة؟
-5-
محمد الماغوط
أشعارك ومسرحياتك وكل أعمالك الأخرى
سعالك، ملاحظاتك الساخرة،
طفولتك البريئة في ساعات صفوك
غضبك لأتفه سبب
سأمك وتبرمك من أقرب الناس إليك بعد بضعة دقائق من بدء الزيارة
غيرتك الطفولية من كتاب هم دون قصبة ساقك
نمائمك، انفعالاتك
وشاياتك وانغماسك في القيل والقال مع بعض الصغار
خربشاتك الأخيرة العديمة المعنى والقيمة
مبالغاتك من الخوف والقمع والإرهاب
بينما أنت تنعم بالحب والرعاية من أعلى ومختلف المستويات
عشقك للوحدة والتسكع في شبابك
عزلتك وابتعادك عن الأضواء والناس في مراحلك الأولى
ثم إضاعة وقتك فيما بعد
مع أولئك المتملقين
أشباه الكتاب والمثقفين
الذين كانوا يحومون كالذباب
فوق طاولتك الغارقة بالفوضى
وبقع الخمر ورماد السجائر
كرمك وبخلك
عواطفك المتقلبة مثل الطفل
كلها باتت اليوم علامات فارقة
مسجلة باسمك حصريا
-6-
محمد الماغوط
يثبت الأفراد شخصياتهم من خلال هوياتهم وجوازات سفرهم
ووثائق التعريف الصادرة عن دوائر الأحوال المدنية والمخاتير
أما الأوطان
فتثبت شخصيتها ووجودها
مما تمتلكه من أحرار ومفكرين وعلماء وأدباء وفنانين
-7-
محمد الماغوط
قصيدتك هي الشاهد الوحيد على إمكانية أن يصير النثر شعرا
لكن عندما قرأ الناس العاديون قصائدك
ظنوا أن الأمر سهلا
وهنا بدأت الكارثة.
-8-
محمد الماغوط
عندما تسقط الثمرة في تربة الأرض الطيبة
تنبت من بذرتها شجرة ذات ثمار
في زماننا العربي الرديء
عندما تهوي قامة شاهقة
على هذه الأرض المتصحرة
تترك ثقبا في محيطنا الثقافي
نحن الموتى الأحياء لتاريخه
في هذه المقبرة التي تسمى
الوطن العربي
الذي هرم وجف رحمه
وبات عاجزا ليس عن ولادة "محمد الماغوط" أخر
بل حتى عن ولادة ولو فأر مثقف.