كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حفريات في جسد المدى

البشير عبيد- تونس- فينكس
قبل هطول مطر يناير
كانوا يمدحون الظلال
أخذتهم خطاهم إلى مدن الثلج
و الرماد
ليس في دفاترهم حكايا الرحيل المباغت
إلى الملكوت
أصواتهم تجاوزت الشرفات
قبل مجيء الغروب، يأتي الغرباء
ذاهلين تراهم عيون العسس
حالمين بالأفق و التلال البعيدةالبشير عبيد
كأنها منارة أمراء الحرب قبل ضياع
الفريسة
هنا وصايا الولد العنيد تكتبها سواعد
فتيان الرصيف
لم نر في وجوه العابرين
دهشة الأجداد حين غابت عنهم حكايا
الولد الأسير
كثير من نبيذ الشرق على طاولة الذكرى
قليل من بياض الروح حذو النهر المتاخم
للحنين
قيل لأولاد الروابي انهم جاؤوا من ضفاف
المدى
ليس لهم في المدينة ذاكرة و أحفاد
لا يخافون من الأنواء
لا يهابون الضجيج الطالع من أفواه
السفهاء
لا مكان لهم في مشهد الغيم المتناثر
في الزوايا
ربما خذلتهم الأجساد
و تبعثرت ألأوراق
بإمكان القوافل الآتية من بعيد
أن تحفر في دهاليز الزمان
للمدى ذاكرة وأنوار
للصدى إنفتاح المسافات على بهاء
الصياح
للريح الآتية من جنوب الأقاليم
ولد جسور و صبايا ذاهلات
هنا حبري و غضبي و ذاكرتي و دعاء الأمهات
إحداهن إسمها آمنة
كانت تقول لي فجر كل يوم:
اكتب يا ولدي
ولا تلتفت إلى الوراء
حبرك محلق في سماء الينابيع
اكتب أيها الآتي من الزمن البعيد
ولا تخف من سفهاء المرحلة
في البدء كانت الكلمة و نوارة الروح
ربما نسي الأحفاد ذاكرة الأجداد
وصار المكان القصي ملاذا للعابرين
هنا قريباً من الصدى ينام الفتى
بلا حقيبة باذخة
ولا مدد يأتي من الأنصار
لا خوف في الجسد النحيل
لا أفق تراه العيون
لا أمل في القادمين من الأنفاق
كأنهم جاؤوا من زمن بعيد
يحملون على الأكتاف بهاء اللغة
المشتهاة
هنا حبري و دمع الرجل الشريد
لم نكن وحدنا في لهيب العاصفة
كانت معنا الرياح اللواقح
ذاكر الأيام
انفتاح الكلام على ورقات الحنين
اخضرار الشجر الحزين
قبل هبوب العاصفة
رحيل الخطى إلى الملكوت
للجسد الغارق في المتاهة
آهات وصيحات الآتين من الأقاصي
قبل مرور الشاحنات تباغتني امراة
النور بالسؤال اليتيم:
كيف صار المشهد قريباً من الغيم
و البلاد صارت سرابا....؟!
ستبقى أصوات الرعاة ملاذا للعابرين
هنا سرب من حمام الشرق
يعبر الأقاليم
على الأجنحة ذاكرة الفيافي
وارتمام الجسد في النهر المتاخم
للرخام القديم

28 فيفري / فبراير 2023