كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مثقفونا وفئران السفينة

حسني حسن- كاتب مصري

بعد سنةٍ طويلة من الصدمة والرعب والتدمير الهمجي المُمنهج في غزة ولبنان وجبال اليمن، قد لا تبدو لأعيننا صورة المنتصر الصهيوني/الأمريكي مُحتَمة، أو حتى مُحتَمَلة، وبالرغم من فارق القدرات، النيرانية، والاستخباراتية، والتقنية، والاقتصادية، الرهيب ما بين جيش الكيان الإسرائيلي وداعميه الأطلسيين من جهة، وبين قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية المدعومة إيرانياً من الجهة الأخرى.
وقد يعن للكثيرين ممن يتوهمون بأنفسهم كونهم (عقلاء) هذه الأمة أن يبادروا إلى إظهار سخريتهم من هؤلاء الذين يؤمنون بأن النصر، أو الهزيمة، في مثل تلك الصراعات الوجودية الحضارية الشاملة والمتطاولة في الزمن، لا تقرره لا بيانات القدرات النيرانية الكلية المُدرجة في قوائم موسوعات الجيوش العالمية، ولا كذلك الفوارق الضخمة على أصعدة التكنولوجيا والمعلوماتية، بل ولا حتى التفاوتات الرهيبة في أعداد القتلى والمصابين والمفقودين من الجانبين، وإنما ثمة محددات أخرى أكثر أهمية ومقدرة على إدارة الحروب والصراعات، وإن كانت خفية وأشد استعصاءً على الرصد والعد القياس، من سابقاتها المندرجة ضمن عناصر القوة المادية، أعني إيمان المقاتل بعدالة قضيته، واستماتته في الدفاع عن حقه في الحياة، حتى وهو مندفع بكليته باتجاه طلب الشهادة، باعتبار هذه الشهادة المُرتجاة أسمى تجلٍ لحياة عابرة وزائلة بالضرورة، وكذا بالنظر إلى وجوده الشخصي والفردي كمجرد حلقة في سلسلة لا نهائية الحلقات لوجود جماعته البشرية المُحدَدة ولاستمراريتها ولنموها ولترقيها.
أعرف أن هناك من سيبادر، تلقائياً وفورياً، لنعت مثل هذا الطرح بالإنشائية والخطابية والعمى عن رؤية الواقع، أو حتى بمجرد الرومانسية والصبيانية والمراهقة السياسية، لكني لا أبالي، ولا ينبغي لي، ولكل من يشاركني هذه الرؤية لحقيقة وعمق الصراعات الدموية عبر كامل التاريخ البشري، أن نلتفت إلى ما يسعون لترويجه وبيعه لنا من أفكار انهزامية، مهما تزيّت بأزياء ومسوح واقعية أو عقلانية أو إنسانية زائفة، ولنتذكر دائماً أنه ليس هنالك أقدر، ولا أسرع، من أولئك العقلاء على اتخاذ القرار بالقفز من السفن المثقوبة، ومن دون أدنى انشغال بمحاولة إنقاذ من يمكن، من يتوجب، إنقاذه من ركابها. إنهم فئران السفن الموشكة على الغرق؛ فإن كنت أحدها فلا بأس عليك أن تفعل فعلتها ذاتها وتهرع لإلقاء نفسك أولاً إلى أمواج المحيط المتلاطمة، والتي ستبتلعك بطبيعة الحال قبل كل كل الآخرين.
أتابع عن كثب، وبتدقيق بالغ، خطابات كل تلك الجرذان المذعورة، والحالمة بإمكانية نجاة فردية مستحيلة حال ثُقِبت السفينة، وأتعجب منهم، ولا أُشفِق عليهم:
فمن نبأكم أيها العقلاء أن المحيط الذي تهرعون لأحضانه، وترمون بأنفسكم لفرقعات أمواجه سوف يستثنيكم من موت محيق؟
ما أدراكم أيها الخبراء العسكريون، والمحللون الاستراتيجيون، وجيوش معدي ومقدمي البرامج الإخبارية في قناة سكاي نيوز عربية، عفواً عبرية، وملايين الهواة من أشباهكم على صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي الأمريكية، أن برجماتيتكم هذه، وعقلانيتكم تلك، سيكافئكم عليها عدو الأمة ما تأملون من الجزاء حال انتهائها من أمر إخوتكم الذين تأكلون لحمهم موتاً وحياة؟
ألم تفكروا أبداً في كون الشعوب تمضي مُسيَرة عبر التاريخ بقوة عصية على التعريف قد نطلق عليها، ابتداءً ولحين فض الاشتباكات حول ماهيتها الموغلة في الغموض، اسم الفكرة، أو العقيدة، أو المبدأ، أو الحق؟ وأن إنكاركم المتعصب، كما سخرياتكم البائسة، لن تقدر، ومهما حاولتم أو استعنتم بصديق، على حرف الجماعات البشرية العريقة عن الاستمساك بهذه القوة، حتى وإن أُرغِمت، أو ضُللِت مرّة أو غير مرّة؟
أخيراً، فإنه من زاوية النظر الأخلاقية، فليس ما تتورطون فيه من انتصار للعدوان إلا ضرباً من الانتحار الأخلاقي، ومن الخيانة لأرقى ما في الإنسان من نزوع مقدس، النزوع باتجاه العدالة والخير والحرية، كما أنه من زاوية النظر العقلية ليس إلا نوعاً من الغباء والعمى الاستراتيجيين الذي سيُكلِفكم أثماناً باهظة سوف تجدون معها أنفسكم مضطرين، وإن متأخرين كثيراً، لمحاولة مراجعتها أو السعي للتنصل منها؛ فانتظروا ما توعدون، وإنّا معكم لمنتظرون!
الشيعة والمذهب الجعفري
الخوف (قصة قصيرة)
بحضور 16 ألف مشاهد.. اختتام عالمي لمسابقة أقرأ في إثراء ومغربية تحصد لقب قارئ العام للعالم العربي
كيف تقرؤون وتبدعون تحت القصف وتهديد المسيرات؟
وقفة مع بعض خصال وثمار العلامة الدكتور المحامي أحمد محمود عمران الزاوي في الذكرى السابعة لرحيله
ثلاثمئة عنوان متنوع في جناح اتحاد الكتاب العرب في المعرض الثالث للكتاب السوري
في الذكرى السابعة لغياب العلّامة الدكتور أحمد عمران الزاوي.. نفحات من طيب فكره
مثقفونا وفئران السفينة
10 مشاركين من 7 دول عربية منها سوريا يتنافسون على لقب قارئ العالم العربي
تحليق في ديوان فلسطين في أناشيد محمد نصيف
لغةٌ تسكنه وينبض بها قلبه.. المترجم نوفل نيوف: اللغة الروسية وثقافتها جزءٌ أساسيّ من تكويني..
عن خرائد العصر
"زهرة تحت القدم".. نصف قرن من القصص الروسية الخالدة
النِّزاريّةُ الشِّعريّة.. فلسفةُ الانتماء والنَّقدُ الـمُختلِف
طَعنُ الكتّاب على الشبهة.. هل أصبح الالتزام تهمةً في الأدب؟