كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كنا نحب

محمد صباح الحواصلي
سياتل ٢٠١٧
كنا نحن، صبية الحارة، نحب أن نصعد عالياً جبل قاسيون إلى "الأربعين" لنبحث من جديد عن أثر لجريمة الأخوين هابيل وقابيل،
ونحب أن نتسلق الصخور لنتشرف بلمس صخرة "أذكريني دائما."
ونحب أن نتسلق أعالي شجر الجوز في كفر سوسة وداريا.. ونضمخ أيدينا بلب الجوز "الأعجر".
ونحب أن نتحدي حقول الصبار الجافة المتربة قرب مسبح المزة ونخترقها غير آبهين بشوكها..
ونحب أن نركب دراجاتنا ونسابق الشمس ونسبق نورها.
ونحب "آخر خط المهاجرين" لننعم بالغبطة السرية التي تتملكنا ونحن نحتوي دمشق في عيوننا التي بدأت تعرف العشق.
ونحب أن نتوغل بين قبور تربة الدحداح مع غياب ضوء النهار وظهور الغربان الفضولة.
ونحب أن نهزم العتمة ونقضم بردها بأسناننا.
ونحب الا نرى الكبار حولنا، والا نرى أساتذتنا في حارتنا، والا نلعب مع عرفاء صفوفنا الفسّادين.. جواسيس الأساتذة.
ونحب أن يبقى الأستاذ مريضاً غائبا عن الصف.
ونحب 17 نيسان ليس لأنه يوم عطله، بل لأنه يوم عيد الجلاء..
ونحب أن نتحلق حول نار اضرمناها قرب خيمتنا في "جديدة الشيباني" أو "رأس البسيط" ونتحدث عن الخوف لنلتحم ببعضا أكثر.
ونحب أن تبقى البنات في حالة انصراف دائم من مدارسهن كي ننعم بوجودهن بيننا في الطرقات.
ونحب أن تأتي جموع المتظاهرين من مدارس أخرى إلى بوابة مدرستنا لتحررنا من أسر صفوفنا وهم يصرخون بصوت واحد "بعد شوي ضرب حجار."
ونحب أن نحصل على صور كبيرة لجمال عبد الناصر وهو يبتسم ونعلقها على جدران قلوبنا وبيوتنا.
ونحب أن ننشد في باحة المدرسة "بلاد العرب أوطاني" و "والله زمان يا بلادي." إلى "الله أكبر فوق كيد المعتدين"
ونحب "معونة الشتاء" و "عيد الأم" و "عيد الشجرة" "ثورة الجزائر" و "جميلة بوحريد" و "الإضرابات"
كنا نحب أن نحلم بخيال واسع..
و نحب أن نتحدى الخوف والجبن..
و نحب أن نكبر بسرعة البرق ونلقي بأنفسنا بحضن الغد الذي لن يخيبنا أبدا.

أبدا لم يخيبنا!