كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

شادي حملاسو: "بيع الكتب".. مشروعي الثقافي أحاول من خلاله الانتصار للكتاب

سلوى عباس
استوقفتني الحكاية خارج نطاقها المادي لتدخلني في عالمها الإنساني، شاب في العشرينيات من عمره اتخذ من أوتوستراد الثورة في مدينة اللاذقية مكاناً لعرض الكتب التي يبيعها، يجلس متأملاً كتبه وينقّل نظره بين الذين يقلّبون هذه الكتب مستبشراً بهم رزقاً يساعده في دراسته وحياته.
هذا الشاب اختار هذه المهنة بوعيه وإدراكه لأهمية التعامل مع الكتاب، وقد تعرّفت إليه من خلال صفحته الزرقاء، حيث لفتت نظري طريقة ترويجه للكتب التي يبيعها، إذ يقدم للقراء شرحاً عن كل كتاب والشغف الذي تتضمنه أفكاره سواء كان الكتاب رواية أم كتاب نقدي أم دراسات فكرية وغيرها، مما ينّم عن ثقافة عالية يتمتع بها هذا الشاب، وعلاقته الحميمة مع الكتاب، إضافة لـ"البوستات" التي يكتبها والتي تؤشر لفكر مختلف وغني، أستحضر إحداها كما كتبها بلغته العامية إذ يقول: (قديش تمنيت عيش قصة حب متل الروايات، لكن هالشي ما صار، وشكلو ما رح يصير.. بالنهاية من تلك الحسناء التي ستعجب بشاب يفترش الطريق إلى جانب كتبه"، ويضيف: "يا ريتني قصيدة للماغوط، أو لوحة لـ فان غوخ، أو دمعة بعيون الشاعرة فروغ فرخزاد).
دفعني الفضول وهذه "البوستات" للوقوف على تفاصيل تجربة هذا الشاب وحكايته وكيف خطرت له فكرة بيع الكتب في زمن يعيش فيه الكتاب أزمات متعددة فأجابني قائلاً: "أنا شادي حملاسو من اللاذقية، طالب حقوق سنة رابعة في جامعة تشرين، خطرت لي الفكرة كوني شغوفاً بالقراءة قبل أن أكون بائعاً للكتب، وكذلك إيماني بأن الشعب السوري قارئ ذواق بكل فئاته أطفالاً وشباباً ونساء ورجالاً، على عكس ما يشاع عنه".
وعندما سألته عن أسباب مزاولته لمهنة بيع الكتب، حيث هناك الكثير من المهن التي يمكن العمل فيها ويجني من ورائها مالاً أكثر من هذه المهنة، أوضح لي أن حبه الشديد لعالم الكتب البهي الواسع الذي لا حدود له يأتي في المرتبة الأولى، وفي المرتبة الثانية أنه جريح حرب ولا قدرة له بعد إصابته على أن يقوم بأعمال مجهدة، مضيفاً: "أيضاً رغبتي الكبيرة أن ينتشر الكتاب في هذا العالم المليء بالصخب، حيث الأوراق تعطي ذلك الهدوء الأنيق المفعم بحنين إنساني لا يضاهى، وأنا مؤمن حد اليقين أن الكتاب سيبقى رغم كل التطور التكنولوجي اللامحدود له خصوصيته وأهميته".
وعن الظروف التي رافقت فكرة تنفيذه لفكرة "كتب الرصيف" أجاب: "إن كنت تقصدين بالظروف كحالة عامة فهناك ضيق في المعيشة على الجميع، أما ظروفي كحالة خاصة فتتجلى في طريقة نقل الكتب، إذ رغم إصابتي أنقل الكتب بـ"عربة حديد" لمسافة ثلاثة كيلو مترات يومياً ذهاباً وإياباً، كما أنني في أيام المطر لا أستطيع أن أنشر الكتب على الرصيف لعدم وجود ما يحميها من المطر".
أما علاقته بالكتب التي يطرحها للبيع وكيف يختارها تحدث قائلاً: "هي عزاءي رغم ظروف حياتي الصعبة، أجد في الكتب روحي المتعبة التي تتفهم الأوراق كنهها، هي علاقة حنين مع الورق ورائحته، ومن حيث اختياراتي للكتب فإنني أختار من كل بستان زهرة بما يشكل لدي حالة من التنوع في العناوين التي تلبي تطلعات كل الشرائح والفئات العمرية من القراء، من رواية وقصة وشعر ومقالات وكتب فكرية فلسفية، والتي أحصل عليها من مصادر متنوعة بدأتها بما لديّ من كتب، إضافة لزياراتي لمعارض الكتب، والمساعدات التي أتلقاها من بعض الأصدقاء بالكتب التي تستهويني، فالكتب الصادقة تشبهنا وتحاكي واقعنا وتفاصيل أرواحنا.
وكما كثيرين من بائعي "كتب الأرصفة" يحلم شادي أن يكون لديه مكتبته الخاصة، لكن ما يؤخر تحقق هذا الحلم ضعف الامكانيات المادية، وارتفاع أسعار العقارات، إضافة لافتقاده لرأس المال، لكنه ورغم كل هذه الصعوبات والمعاناة التي يعيشها يعتبر "كتب الأرصفة" مشروعه الثقافي الذي يحاول من خلاله الانتصار للكتاب الذي ظُلم كثيراً، وعن رضاه عن ما أنجزه حتى الآن قال: "الرضى الذي أشعر به ينبع من محبة الناس والأصدقاء وتعبيرهم عن سرورهم بمشروعي الصغير رغم كل شيء، أما كمدخول مادي فلا يوجد رضى أبداً، فهذا العمل البسيط لا يعوّل عليه بوضع مثل وضعي وإمكانياتي المادية السيئة، لكن ما يعزيني ويفائلني هو إقبال الناس على شراء الكتب وبشكل خاص الروايات، فالرواية تجتاح الساحة على حساب القصة والشعر والكتب الفكرية، وهذا الأمر يسعدني ويشعرني أنني حققت الغاية التي أسعى إليها من مشروعي، فهذه المهنة من أجمل المهن وأنبلها، إذ جعلت مني إنسانا أكثر جمالاً وحباً، خاصة عندما يطلب مني القراء أن أرشّح لهم كتاباً من اختياري، حينها أشعر بمسؤولية جميلة، وما أتمناه أنا وكل من يعمل في هذه المهنة أن نتلقى الدعم لنستطيع متابعة مشوارنا في هذه المهنة الممتعة.

في وقفة مع تفاصيل تجربة الشاب شادي وصلت إلى قناعة أنه ليس أجمل من أن يكون هناك في هذا الزمن المزدحم بالموت والشقاء من يناضل من أجل نشر الفكر والمعرفة بين الناس، بغض النظر عن المكان الذي يقدم من خلاله هذه الأفكار، وهذا يعتبر عملاً جميلاً ومثمراً رغم كسبه المادي الضئيل، فهل يمكن للكتاب الذي تتناهبه التحديات من كل صوب أن يستعيد مكانه في منازلنا، ويبقى يشكل حالة من الشغف الفكري والمعرفي كما هو حاله مع صديقنا شادي؟ أمنيات برسم المستقبل نتمنى أن تعيد الاعتبار للكتاب.

موقع سفير برس