د. عبد الله حنا: تساؤلات حول أسباب تخلفنا؟
لماذا لم تنهض الثورة الصناعية في بلادنا؟... ألم تكن الشروط العلمية والتقنية متوفرة في الأقطار العربية للقيام بالثورة التقنية والصناعية قبل عصر الركود والسكون؟...
ما الأسباب التي منعت مجتمعاتنا العربية والإسلامية من القيام بالثورة الصناعية قبل أوروبا؟...
لماذا لم يتمكن الحرفيون في المدن العربية (المشرقية) من السير في العملية الإنتاجية خطوات إلى الأمام وإبداع طرق جديدة للإنتاج وطرقه تنقل المجتمع من العمل اليدوي إلى العمل الآلي؟...
لماذا لم يقُم او يستطع التجار تحقيق التراكم الرأسمالي الضروري للإنطلاق؟.
وجهات نظر في أسباب تخلفنا
- بعضهم يلقي المسؤولية على كواهل العوامل الخارجية وبخاصة الاستعمار. ولكن الاستعمار بشكله الكولونيلي أولاً والإمبريالي ثانياً ظهر في العالم العربي وبخاصة في مشرقه متأخراً في أواخر القرن الثامن عشر. وثمة فترة زمنية طويلة تمتد من القرن الثالث عشر (بداية سكون الحضارة العربية) إلى القرن الثامن عشر (بداية الغزو الاستعماري) لم يكن ثمة دور يذكر للاستعمار في إعاقة الإبداع. أما دور الغزوات الخارجية (المغولية، الصليبية) فلم تكن كافية على الرغم من ضراوتها لتحطيم القوى المنتجة. هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مصر لم تتأثر كثيراً بدمار الغزو الخارجي.
- وبعضهم يهمس: إن الاسلام هو سبب تخلفنا... ونجيب: ليس الاسلام هو سرّ تخلفنا لسبب واضح وهو التالي: تحت راية الاسلام ازدهرت الحضارة العربية الاسلامية بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلادي. وفي ظلّ الاسلام (والأصح حكم المسلمين) جرى التقهر وانتكست الحضارة العربية الاسلامية اعتبارا من القرن الثالث عشر الميلادي.
معنى ذلك أنّ الاسلام ليس سبب تخلفنا، بل هناك عوامل اخرى داخلية هي سبب تخلفنا. هذا العامل الداخلي، الذي يتجاوزه كثيرون، لعب دوراً رئيسياً في كبح التحوّل من نمط الإنتاج السلعي البسيط إلى نمط الإنتاج الرأسمالي، أي عرقلة عملية الانتقال من الحرف اليدوية إلى الصناعة الآلية بواسطة قوة البخار. وبسبب عدم استطاعة المجتمعات الشرقية الانتقال من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية بقيَ المجتمع خاملا راكدا دهورا عديدة.
وبالمجمل نرى أنّ العوامل الداخلية المؤثرة في التخلف هي:
- الإقطاعية الشرقية أو اسلوب الإنتاج الآسيوي. وسيأتي شرحهما في حلقة خاصة
- أسلوب الإنتاج الخراجي كما سماه عالم الاقتصاد المصري سمير أمين. والخراج هو ضريبة الأرض التي تجمعها الدولة لتصرفها على خاصتها.
- علاقات الأنتاج القبلية أو الاستبدادية، حسب تعبير مهدي عامل، عالم الاجتماع اللبناني، الذي اغتالته قوى ظلامية في بيروت.
***
علينا عند البحث عن أسباب التخلف أن نأخذ بالاعتبار:
سياسة حكام المدن وعساكرهم، الذين استأثروا عن طريق الضرائب والمصادرات والنهب والابتزاز بالقسم الأكبر من جهد منتجي الأرياف والمدن، وشكلوا العائق الرئيسي أمام تطور القوى المنتجة مما أدى إلى تأخر الزراعة وأحياناً خرابها وتراجع الحرف وتقوقعها. وتحت وطأة العسكرة المتزايدة للمجتمع وتحجيم قاعدته المدنية تمّ القضاء على كل إمكانية لقيام المانيفاكتورات والورشات الرأسمالية المبكّرة، لم تستطع المجتمعات الشرقية مواكبة الحضارة الغربية، التي انتقلت إلى الثورة الصناعية الرأسمالية وكنّست في طريقها النظام الاقطاعي، الذي بقي جاثما على صدور المجتمعات الشرقية.
***
وفي حلقتين قادمتين سنتناول: ما كتبه المؤرخون المعاصرون عن سياسات حكام دولتي المماليك والعثمانيين في نهب رعاياهم.