مروان حبش: الإعداد ليوم 18 تموز الدامي من عام 1963
2020.07.18
18 تموز 1963
الإعداد ليوم 18 تموز الدامي
كان الحزب في فترة الوحدة يُميِّز بين الانزلاق التدريجي من انتقادٍ لنظام الحكم إلى التشكيك بفكرة الوحدة مع الشعب العربي بمصر و بقيادة عبد الناصر.
كما كان ينقد الاتجاه العاطفي السطحي اللاواعي "أي البعثيون الذين شكلوا في فترة الانفصال حركة الوحدويين الاشتراكيين" الذي يدعو للوحدة لمجرد أنها وحدة دون الاهتمام بالأسس التي تُبنى عليها وبالشروط والضمانات التي تحميها وتنميها.
وكان الحزب يرى أن القوى الناصرية التي شاركها معه في الحكم والتي كانت توجهها القاهرة، لم تستطع أن تستوعب معنى تجربة الوحدة السابقة ودروسها، وحاولت أن تكسر ميزان القوى لصالحها بغية تركيز نظام في دولة الوحدة الثلاثية, وعندما فشلت في ذلك وأدركت أن البعثيين في العراق وسورية لا يسيرون ضمن مخططها قامت بمحاولات عدة كان آخرها ما حدث يوم 18تموز.
كان الرئيس عبد الناصر ومنذ الأيام الأولى لقيام 8 آذار، يحاول أن يقلب ميزان القوى في سورية ويسلم مقاليد الحكم فيها لأتباع يتميزون بالطاعة العمياء والتنفيذ غير المشروط، وكانت هذه المحاولات تبغي في نهاية المطاف إعادة الوحدة الثنائية السابقة وإقصاء القطر العراقي عنها.
في أول اجتماع للفصائل التي ساهمت بانقلاب 8 آذار، فوجئ البعثيون وكان مثار دهشتهم حين طرح بعض ممثلي فصائل الناصريين اسم السيد "رشدي الكيخيا" زعيم حزب الشعب قبل الوحدة لرئاسة الوزارة، كما حاولوا أن يستلم أحد ممثليهم "نهاد القاسم" هذا المنصب، ولكنهم تأكدوا أن هذا الأمر محسوم.
ثم تصارعت الفصائل الناصرية (القوميون العرب، الوحدويون الاشتراكيون، الجبهة العربية المتحدة) بين بعضها على المقاعد الوزارية وكل فصيل منهم يريد إلغاء الفصيلين الآخرين. ونتيجة لذلك تأخر تشكيل الوزارة 24ساعة، حتى حُسم الأمر وخُصص لكل فصيل منهم مقعدان وزاريان، ولزياد الحريري نفس العدد، على أن تكون لهم نفس النسب في المجلس الوطني حين تشكيله.
كما تبوأ بعض العسكريين الناصريين مراكز قيادية في قيادة الجيش وفي الوحدات العسكرية.
لم يمض على تشكيل الوزارة 48 ساعة، وفي يوم 11/3 اكتشف البعثيون مؤامرة يخطط لها الناصريون، وتقضي بقصف مبنى قيادة الجيش بالمدفعية المضادة للطائرات وقتل الضباط الموجودين فيه, وتم تجاوز هذه المؤامرة بتبديل مواقع بعض المشتركين فيها, حتى لا تشوب محادثات الوحدة المزمع بدؤها خلال أيام، أية شائبة.
منذ بداية المفاوضات مع الـ ج.ع.م للوصول إلى صيغة متينة للوحدة، كان الرئيس عبد الناصر يعمل دوماً على تأزيم الأمور لتفشيل المفاوضات وإعطاء مبرر لمن يدعون بأنهم أنصاره ويوهمونه بأن لديهم القوة، للاستمرار في لعبة التآمر للإطاحة بالبعثيين، وهو الأسلوب نفسه الذي مارسه مع مفاوضيه من ضباط النحلاوي، سابقاً، وللهدف نفسه.
باستثناء المنظمات الناصرية الثلاث، كان ما عُرف بالتيار الناصري من غيرهم تياراً عاطفياً يضم الكثير من الانتهازيين والوصوليين، ولكن هذا التيار يشترك مع تلك المنظمات في خصومة البعث وفي ديماغوجية الطرح، وإذا خلا أحد قادة تلك المنظمات إلى أحد المسؤولين يبدأ بالتآمر على الآخرين.
حرك الناصريون مظاهرات في بعض المدن السورية، ترفع الشعارات الاستفزازية، من غير إدراك بأن الوحدة الفورية وشعار المشروعية وعودة الأمور إلى ما كانت عليه يوم 27 أيلول 1961 يتعامى عن أخطاء الوحدة وينسى التجربة وضرورة الاستفادة منها، كما أن المهاترات لم تتوقف رغم توقيع ميثاق 17نيسان، ولم تدرك الأجهزة المصرية بأن الوحدة فوق الأشخاص والأحزاب وأن جو الإثارة والتشكيك والشتيمة الذي تمادت القاهرة في ممارسته، يثير الأحقاد.
تسللت بعض العناصر المخربة إلى المظاهرات التي حدثت في حلب وهاجمت بالسلاح مخافر الشرطة واستولوا على بعضها مما اضطر قوات حفظ النظام إلى ردعهم بقوة السلاح.
وتم الاحتكاك بين البعثيين والناصريين في دمشق ثلاث مرات، يوم زيارة وزير الدفاع الجزائري العقيد هواري بومدين في 1نيسان 1963 في ساحة قصر الضيافة. ويوم هاجم حشد ناصري في بداية الأسبوع الثاني من نيسان، مقر جريدة البعث الواقع في أول شارع خالد بن الوليد وكان المقر بمثابة مكتب لقيادة الحزب أيضاً. والاحتكاك الثالث والأهم كان في جامعة دمشق في 5 أيار1963، وفي المرات الثلات كانت الغلبة بجدارة للبعثيين رغم التفوق العددي للناصريين، ولكن البعثيين تفوقوا بسببين، الأول: أنهم منظمون، والثاني بسبب إيمانهم العميق بما يعتقدون به.
بالرغم من كل ما كانت القاهرة تعمد إلى فعله لإبقاء التوتر قائماً وخاصة بعد استقالة الوزراء الناصريين، أرسل المجلس الوطني وفداً برئاسة الفريق لؤي الأتاسي إلى القاهرة عسى أن يقنعها بالتراجع عن هذه الحملة التهويشيه، ولكن المشير عبد الحكيم عامر الذي قابله لغياب الرئيس ناصر, أصر على تسليم القيادة للمؤتمرين بأمر القاهرة، ورجع الوفد من دون إحراز أي تقدم.
وفي تلك الفترة, لبّى الرئيس اليمني عبد الله السلال دعوة المجلس الوطني لزيارة سورية واقتُرح عليه التوسط مع الرئيس عبد الناصر من أجل عقد لقاء بين القاهرة ودمشق وبغداد, ولكن الرئيس ناصر رفض الاقتراح، ورغم ذلك أوفد المجلس الوطني وفداً إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بيللا، ووفداً آخر إلى العراق للغرض نفسه، ولكن القاهرة بقيت على مواقفها، ثم تأكدت نوايا الرئيس عبد الناصر ورغبته بنقض ميثاق نيسان تمهيداً لتنفيذ ما كان قد تم تخطيطه، أي الإطاحة بالبعث, وهذا ما نقله المهدي بن بركة رئيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب، بأن القاهرة تريد نقض الميثاق, إذا لم يُعد الضباط الناصريون إلى الجيش، واقترح المهدي بن بركة تشكيل لجنة رباعية للتحكيم، من الجزائر والاتحاد الوطني المغربي والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب البعث العربي الاشتراكي، ورحب النظام السوري بذلك، بينما رفضته القاهرة, كما أن القاهرة رفضت وبإصرار عقد أي اجتماع للّجان التي كانت قد تشكلت نتيجة لميثاق 17 نيسان (لجان الوحدة –لجان عسكرية)(1).
الأحداث الدامية
في اليوم السادس من شهر آذار أبلغ الناصريون البعثيين والعقيد الحريري أنهم يفضلون إرجاء الحركة والتسرب قليلاً قليلاً إلى الأركان العامة ووحدات الجيش ما دامت قيادة الجيش نفسها تسعى لتعيين الناصريين في مواقع نافذة، وهذا سيسهل عملية القيام بانقلاب أبيض، ولكن الحقيقة كما توضحت فيما بعد أنهم كانوا يعدون للقيام بانقلاب لوحدهم في 11 آذار(2).
ويؤكد الرائد البعثي فؤاد منذر الذي كانت كتيبته الـ م/ط ترابط أمام مبنى الجامعة السورية، بأن الرائد الناصري شايش التركاوي اتصل به يوم 9 آذار 1963 ليعمل معهم في حركة انقلابية، أو يُبعد كتيبته عن مكان تواجدها، وذلك مقابل أي مركز يريد استلامه، وأخبر الرائد منذر رفاقه بهذا الاتصال.
وورد في مذكرات صلاح نصر ص 363 و364: "في مطلع شهر تموز/يوليو1963، كان التقييم
الذي تقدم به جاسم علوان إلى الرئيس عبد الناصر يُشير إلى أن احتمالات نجاح حركة مسلحة ضد
الوضع البعثي القائم في سورية، بالرغم مما اكتسبه من قوة خلال الأشهر الأخيرة، أمر ضعيف الاحتمال وقد يكون من الأفضل المرور بفترة هدوء مناسبة تساعد على تدعيم التنظيم الوحدوي والتمكن من التأكد من سلامته، غير أن عبد الناصر كان يرى أن كل يوم يمر يُدَعِم فيه البعث مركزه، ومن ثم فإن سرعة العمل ضده أمر واجب".
وبعد عودته إلى دمشق، قام جاسم علوان، قائد الانقلابات الجهيضة، بتحديد ساعة الصفر للحركة في الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم 18 تموز لتنفيذ الانقلاب وأخطر عبد الناصر بذلك. وفي حال نجاحه يُعلِن الانقلابيون إعادة الوحدة كما كانت قبل 27 أيلول 1961، ومن هذا المنظور وافق الرئيس عبد الناصر على استقبال وفد من المجلس الوطني صباح 18تموز، برئاسة رئيسه الفريق الأتاسي، وعضوية الدكتور سامي الجندي، العقيد فهد الشاعر، والعقيد محمد عمران، وكان هدف الوفد إجلاء الغموض الذي أحاط بالوحدة الثلاثية وأملاً بأن يُعيد الرئيس ناصر النظر في قراره، وتأكيد أن موقف سورية لم يتبدل وهو الحرص على ميثاق الوحدة الاتحادية الثلاثية، والإصرار على تنفيذه، وأن تحقيق الوحدة يتم بالتعاون والتفاعل بين الثورات وتعايشها والإقرار بوجودها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسي الرئيس كمْ نَقَل وسرح من الضباط البعثيين أيام الوحدة.
(2)سامي الجندي – البعث-ص112.
وصل الوفد إلى الإسكندرية حيث كان يُقيم الرئيس ناصر، وعُزِل عن وسائل الاتصال والإعلام وهو ينتظر الاجتماع مع الرئيس، وبعد أن اطمأن الرئيس إلى أن الرصاص بدأ يدوي في دمشق ضُحى يوم 18/7 ، التقى بأعضاء الوفد، وما أن بدأت المباحثات حتى دخل أحد موظفي الرئاسة وقدم للرئيس ورقة صغيرة اطلع عليها وأبلغ الوفد أن انقلاباً حدث في دمشق.
أصبح معروفاً أن انقلاباً وشيك الوقوع سيقوم به الناصريون، وكان التوجيه للعسكريين البعثيين بضرورة تواجدهم الدائم في وحداتهم لإحباط تلك المحاولة, وحين توافرت كل المعلومات عن الخطة الانقلابية، وعُرفت قيادتها "جاسم علوان، محمد الجراح، محمد نبهان، رائف المعري ، يوسف مزاحم"، شُكلت مفارز من الأمن لاعتقالهم، ولكنهم كانوا قد تواروا قبلاً، إلى المقر الذي سيقودون منه انقلايهم، وبدلاً من أن يُدركوا بأن أمرهم أصبح مكشوفاً, وأن الإقدام على عمل عسكري هو مجرد حماقة فاشلة ولن ينتج عنها إلاّ سفك الدماء، رغم ذلك استمروا في تنفيذ ما كانوا قد بيَّتوه.
حاولت بعض العناصر العسكرية المسرحة الدخول ليل 17-18/ 7 إلى معسكر المعضمية ومعسكر القابون، وتم إلقاء القبض عليها قبل تمكّنهم من ذلك.
وفي الساعة العاشرة والربع من صباح يوم 18 /7 علم المقدم صلاح جديد رئيس لجنة شؤون الضباط بأن النقيب المسرح محمد نبهان، من أنصار السراج، وبعض العناصر المدنية بدأت تتوافد إلى مقر سرية خدمات الأشغال العسكرية، المحاذي من جهة الشرق لمبنى قيادة الجيش، وبالاتفاق مع بعض العناصر في
تلك السرية وُزعت الأسلحة على الوافدين، فطلب المقدم جديد من الرائد توفيق بركات رئيس فرع الأمن العسكري في المخابرات العسكرية، التأكد من الخبر و في حال صحته اعتقال النقيب نبهان.
استدرج الرائد بركات وبرفقته الملازم مصطفى الفلاح النقيب نبهان ورافقه إلى مبنى قيادة الجيش، ولم يُبد أية ممانعة خوفاً من إحباط المخطط وكشف المؤامرة، وتم اعتقاله في سجن المزة العسكري، وبدأ التحقيق معه بإشراف اللواء أمين الحافظ، وزير الداخلية، رئيس الأركان.
وفي الوقت نفسه بدأت عناصر مدنية أخرى من كتيبة الفدائيين الفلسطينيين المنحلة، وبعض العسكريين المسرحين تتجمع في البساتين المواجهة لمبنى قيادة الجيش من الجهة الشمالية الغربية "شارع نهرو وحديقة تشرين ومنطقة الحواكير حاليا"، كما سيطر بعض العسكريين بقيادة العقيد هشام شبيب على مدرسة الإشارة "مبنى كلية المعلوماتية حالياً"، وفي ساعة التنفيذ اتصل مساعد في الجيش من عناصر الإشارة بالأركان العامة مُعرفاً عن نفسه بالعقيد بحري كلش، منذراً ببدء الانقلاب ومهدداً كل من يعترضه.
قامت العناصر المحتشدة في مبنى الأشغال العسكرية وفي البساتين بمهاجمة حراسة الأركان وسرية المراقبة المتواجدة في المعرض وحول مبنى الإذاعة، التي قام أحد الناصريين العاملين فيها بتعطيلها عن البث ساعة بدء الهجوم، كما قام المتواجدون في مدرسة الإشارة بمؤازرة المهاجمين وإطلاق وابل من الرصاص من مواقع تُشرف على ساحة الأمويين، وعدا ذلك لم يكن بمقدورهم السيطرة على أية قطعة عسكرية.
على إثر هذا الهجوم، انطلق المقدم صلاح جديد إلى مدرسة المدرعات في القابون وقاد سرية الدبابات التي يقودها النقيب صبحي إبراهيم إلى موقع مدرسة الإشارة في البرامكة، وأشرف على عملية إنهاء هذا التمرد، كما شارك في القضاء عليه كلٌ من:
فرع الشرطة العسكرية بأمرة الرائد أحمد سويداني.
سرية دبابات الأركان بأمرة النقيب محمود حمرا.
سرية المراقبة بأمرة النقيب سليمان حداد.
كتيبة المغاوير المتمركزة حول الإذاعة بأمرة النقيب سليم حاطوم.
كتيبة مدرعات من اللواء 70 بأمرة الرائد علي مصطفى.
كتيبة المغاوير 22 بأمرة النقيب سليمان العلي، وكانت مهمتها تنظيف البساتين من العناصر المتمردة.
كما ساهم الحرس القومي الذي كان قد صدر مرسوم تشكيله بتاريخ 26/6 في المحافظة على الأمن في شوارع المدن الكبرى لمنع أي أعمال تخريبية.
هكذا تم إحباط هذه المحاولة الانقلابية بسرعة بعد أن سالت دماء غزيرة وبريئة، وطُوقت العناصر التي ساهمت فيه وألقي القبض على عدد من المهاجمين المسؤولين عن سفك الدماء.
ومساء ذلك اليوم الدامي صدر المرسوم 110 القاضي بتشكيل مجلس عرفي في دمشق وفي المدن الأخرى عندما تدعو الحاجة، وباشر المجلس العرفي في دمشق برئاسة المقدم صلاح الضللي جلساته في سجن المزة العسكري يوم 19/7، وأصدر أحكاماً بالإعدام، رمياً بالرصاص، على 22 شخصاً من بينهم 8 عسكريين "ضابط واحد وهو العقيد هشام شبيب رئيس أركان سلاح الإشارة، وخمسة برتبة مساعد، وإثنان برتبة رقيب من سلاحي الإشارة والأشغال العسكرية" ، و12 مدنياً من الكتيبة الفدائية المنحلة.
وبعد ذلك تشكلت محكمة عسكرية استثنائية برئاسة المقدم الضللي، أيضاً, وحاكمت رؤوس المؤامرة بعد أن تم إلقاء القبض عليهم، وصدر في يوم 18 تشرين الأول، الحكم بالإعدام على "جاسم علوان ومحمد الجراح ورائف المعري ومحمد نبهان".
وبناء على طلب الرئيس عبد الناصر في مؤتمر القمة الأول الذي انعقد في القاهرة ما بين 12-17 كانون الثاني1964أُطلق سراحهم بمرسوم عفو، وتم تسفيرهم إلى القاهرة، عدا محمد نبهان الذي آثر السفر إلى الجزائر لعلاقات تربطه وتربط عائلة زوجته بمسؤولين من جبهة التحرير أيام حرب الاستقلال.
بعد فشل هذا الانقلاب الدموي أصدر رئيس الوزراء الأستاذ صلاح البيطار بياناً حول هذه المحاولة الانقلابية جاء فيه: "لقد وقع اليوم ما كنا نتوقعه من أيام، بل من أشهر، من قِبَل من أنكروا ثورة 8 آذار وتنكروا لها وارتدوا عنها، فارتدوا عن أحد مقومات الوحدة الثلاثية، نعني الثورة التي قضت على الانفصال، على الردة الانفصالية، وشقت للوحدة أوسع طريق ليدخلها شعبنا العربي من أوسع باب.
لقد كنا دوماً على يقين بأن ما يُبَيّت ليقع لا بد وأن يُقبر في مهده. وهكذا كان، لقد قُضي على الفتنة النكراء وعلى الجريمة التي ارتكبها المتآمرون بحق الشعب وبأهدافه القومية".
بعد فشل هذه المحاولة الانقلابية، أعلن الرئيس ناصر يوم 22 تموز، انسحابه من ميثاق 17 نيسان، وفي خطابه يوم 23 تموز صبّ جام غضبه على البعث وثورته في سورية، وعاد إلى ترديد اسطوانته القديمة: "... إذا كان حزب البعث هو اللي بيحكم سورية، وحدة مع حزب البعث متأسف، أنا متأكد بعد ثلاث شهور حايرجع حزب البعث بأساليبه ووسائله حايهدم كل حاجة، لا وحدة مع حزب البعث الفاشستي أما الوحدة فهي مع الشعب السوري المناضل إحنا وقعنا الاتفاقية مع سورية موقعناهاش مع حزب البعث ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتعامل مع الفاشيست مع مغتصبي إرادة الشعب".
وفي بيان للقيادة القومية بتاريخ 17 أيلول، وهو الموعد الذي كان محدداً للاستفتاء على ميثاق 17 نيسان، ورد: "ولكن الرئيس عبد الناصر لم يكن راضياً ومقتنعاً بمفهوم الوحدة الثلاثية بل كان ينشد عودة الوحدة الثنائية السابقة بدون أي تطوير بغرض رد اعتباره الشخصي بالدرجة الأولى ولذلك اعتبر توقيع ميثاق الوحدة الثلاثية مأتماً له ولأعوانه كما اعترف بذلك فيما بعد لكل من الوفدين السوري والعراقي، ونظراً لعدم إيمان الرئيس عبد الناصر بميثاق 17 نيسان وبأسسه كانت النقاط التي اعتبرها الحزب ثغرات في الميثاق تُعتبر بنظر الرئيس عبد الناصر ضمانات لسيطرته وحكمه بينما اعتبر الضمانات التي نصّ عليها الميثاق ثغرات تهدد محاولته في إعادة الوحدة الثنائية وتبدد تجربته في القطر المصري".
بعد عشرة أيام، من عودة الوفد من القاهرة، أي يوم 28 تموز 1963، تقدم الفريق لؤي الأتاسي باستقالته من رئاسة مجلس قيادة الثورة متذرعاً بأن البعث هو الحاكم ورئيس المجلس يجب أن يكون بعثياً، وبعد اعتذار الأستاذ صلاح البيطار عن أن يكون رئيساً للمجلس، وإصراره على أن يكون الرئيس عسكرياً، تمت تسمية اللواء أمين الحافظ لهذا المنصب (1). وفي 12 / 11/1963 صدر المرسوم 255 بترفيع المقدم صلاح جديد إلى رتبة اللواء وتسميته رئيساً للأركان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رُفِع إلى رتبة الفريق بتاريخ 20/4/1964.
من كتاب مروان حبش (البعث وثورة آذار)