كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

سيرة فارس من ذاك الزمن.. مَرَّ سريعاً كالحلم

د. باسم ماجد سليمان
الذكرى السنوية الأولى لرحيل اللواء الدكتور السفير "بهجت سليمان"، لروحه النقية السلام.
من قمم جبال ساحل البوابة الشرقية للمتوسط، في بلاد الشام، في ضيعة غافية على كتف مدينة القرداحة، و في السابع من نيسان، من عام 1949 تسللت خيوط نور فجر هادئ وادع من بين أجفان فارس جميل ونبيل ليبدأ رحلة أشبه بحكايات الأساطير القديمة، وكأنّ الله لبى اشتياق ضيعته "زنيو" للتاريخ الذي تحاكيه بكل قسماتها، فاستحضره بفارس شاء له أن يبدأ رحلته في كنف أبوين، تلقفاه بشغف وعشق ربّاني، وإيمان بأن هذا القادم الجديد هو نسيج وحده، فسارع الأب إلى تلبية نداء داخلي، ليستقدم شيخا لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم الى القرية، ولم يكن ولده قد بلغ الرابعة من العمر، حيث استضاف الشيخ "علي أحمد" مع عائلته لعامين حتى أتمم نجله "بهجت" حفظ القرآن الكريم، مما أهّله ليبدأ دراسته في مدرسة القرية من الصف الثالث الابتدائي مباشرة، أربع سنوات فقط أمضاها في القرية، ومن ثم الإنتقال إلى مدرسة داخلية لثلاث سنوات، ومن بعدها في مدرسة "جول جمال" في مدينة اللاذقية، ملتحقاً بعائلته التي انتقلت الى المدينة في خمسينيات القرن الماضي نظراً لظروف استدعتها توسعة العمل التجاري للوالد. 
ستة عشر عاماً كانت كافية لتجعل فارسنا النبيل والجميل رجلاً ناضجاً تشي كل تفاصيله بتمايز ،جعله في موقع الريادة أخلاقا وسلوكا ومعرفة، وهو الذي لطالما كان شغوفا في قراءة الفلسفة والتاريخ والمعرفة والشعر، ومن نافلة القول أنه كان ضليعا في اللغة العربية وهو الذي حفظ القرآن الكريم قبل أن يُتِم السادسة من عمره.
ولأنه عشق العطاء، لقي ضالته في التعليم فمارسه في ثانوية بلدة الحفة لبضعة أشهر، كانت على قصرها كافية لتترسخ صورته كمعلم شغفت به قلوب وعقول تلامذته الذين استمر جلهم في تواصل دائم معه. 
نعم أراد أن يكون معلماً ومحاضراً في إحدى الجامعات، لأنه عشق العطاء وعشق الفكر والمعرفة، إلّا أنّ القدر شاء له أن يدخل ميدان الدفاع عن الوطن الذي عشقه وتغنى به ومضى العمر مدافعا عنه، ولربما تشي تلك الكلمات للمرة الأولى أن القائد الراحل حافظ الأسد كان له دور في رسم مسار تلك الرحلة، فالوالدة التي كان يُتاح لها فرصة اللقاء بالقائد الراحل مذ كان وزيراً للدفاع، لقرابة تصلها به، أخبرته أن ولدها بهجت مزمع على السفر الى الخارج لمتابعة تعليمه العالي بالقدر والمستوى الذي يستحقه، في إحدى الجامعات الأوروبية المتميزة، وقد كان الرأي الحصيف للقائد أن "بهجت" الذي عُرف بذكائه، يحتاجه الوطن وأن خير تلبية لحاجة الوطن هو الانتماء الى ميادين الدفاع عنه عبر الإنضمام الى صفوف قواته المسلحة، وأن العلم والتعليم والفكر والمعرفة، ليس محصوراً في ميدان الجامعات فحسب، بل يتقدم عليها الانتماء لصفوف الجيش العربي السوري.
وقد كان فارسنا الجميل خير أمين ومؤتمن على مسؤولياته الوطنية، فقاتل في حرب تشرين كقائد لسرية دبابات، ودافع عن ثغر العاصمة في مواجهة الغزو الإسرائيلي في عام ١٩٨٢ إبان الغزو الإسرائيلي للبنان، كقائدٍ للواء دبابات، كما عمل في السلك الأمني، وقد سعى لإعادة صياغة العمل الأمني، مذ بدأ رحلته في هذا المجال، رافعاً شعار أن الأمن ينبغي أن يعني الأمان، كما ينبغي أن يكون عمل رجل الأمن وقائياً، لحماية الانسان ووقايته من الوقوع في الخطأ وصونه من تبعاته. 
■ إضاءات مشهديّة في يوميات الفارس الراحل "أبو المجد":
•أصر الملازم أول بهجت على الاضطلاع بمهمة قتالية ذات طابع استشهادي في حرب تشرين ١٩٧٣ حيث كان قائدا لسرية دبابات، قبل ان تصدر أوامر بالعودة عنها لاستحالة تنفيذها كما رواها كل من رفيقيه في السلاح.
•قائد السرية بهجت سليمان كان يحث ضباطه على القراءة مردداً على مسامعهم، أن المقاتل ينبغي أن يتسلح بالمعرفة كما يتقن فنون الدفاع عن الوطن.
•علاقة عشق بين القائد العسكري بهجت سليمان وجنوده لطالما كانت تلازم فارسنا طيلة مسيرته العسكرية، التي اتسمت بقدرٍ كبير من الوجدانيات والإحترام والتقدير لمرؤوسيه. 
•اللواء "41" الذي أُوكِلت "للمقدم بهجت سليمان" مهمة تشكيله وقيادته، الذي اضطلع بمهمة الدفاع عن أحد ثغور العاصمة على الحدود اللبنانية في مناطق "رخلة وينطا" في صد العدوان الإسرائيلي إبان غزو لبنان عام ١٩٨٢، كان يُحسب له الحساب من قِبَل قوى العدوان المتمركزة على بُعد عشرات الأمتار، وذلك حسبما كان يُرصد من أحاديثهم، نظراً لتدريبهم العالي والعلاقة الوجدانية العالية التي تربط قائد اللواء بضباطه وجنوده والتي ارتقت بمعنوياتهم عالياً.
•المقدم بهجت قائد اللواء يفرض بحق أحد ضباطه عقوبة هي "قراءة كتاب" عند ارتكابه لخطأ. 
•لطالما كان يُشاهد الضابط بهجت سليمان منكبّاً على قراءة كتاب.
•مواقف إنسانية عالية في تقديم العون والمساعدة والمساندة لرفاقه في السلاح من ضباط وجنود، اتسمت بها مسيرة الضابط بهجت سليمان. 
•مكتبة عامرة بمئات الكتب النوعية كانت مثار انتباه وإعجاب كل من زاره في أي من الأمكنة التي أوكلت فيها المسؤوليه إليه، و قد درج على كتابة أفكار ومختصرات لها في مذكرات صغيرة بلغت العشرات.
•دماثة واحترام اتسم بهما "بهجت سليمان" في استقبال ضيوفه وحرص على لقائهم بترحاب كبير، بغض النظر عن مكانة الزائر. 
•العمل الديبلوماسي الذي اضطلع به السفير بهجت سليمان في الأردن أضفى قيمة غير معهودة على طبيعة العمل الديبلوماسي ومعاييره، ولقد أكسب موقع السفير السوري في الأردن اعتباراً لم يكن معهوداً قبلاً، ولم تثنه خلال عمله الديبلوماسي في الأردن التهديدات ومحاولات الاغتيال العديدة، التي كان مزمعاً تنفيذها ضده، عن مواجهتة خصوم واعداء بلاده وفضحهم وتعريتهم بكل جرأة وشجاعة واقتدار وتصميم، رغم إدراكه أنه في جغرافيا يتمتعون فيها بالمقدرة والنفوذ، كما أفسح في المجال لتظهير المواقف المبدئية لشرائح واسعة من الشعب الأردني الشقيق نحو الحرب على سوريا.
•لقد كانت تربط الراحل علاقات صداقة مع شريحة واسعة من المثقفين في بلاده وعلى امتداد الوطن العربي، كما حرص على ان يلتقي المختلفين معه بالرأي والموقف والايديولوجيا، وقد اتسمت الحوارات التي كانت تجري معه بمساحة واسعة من الحرية والأريحية والاحترام المتبادل، ما جعل حتى خصومه في الرأي والموقف يكنُّون له التقدير والمودة والاعجاب. 
•لقد كان اللواء بهجت من أوائل من استثمروا منصّات التواصل الاجتماعي، واستطاع بمقدرة ذاتية وإمكانات فردية أن يشكل حالة فكرية إعلامية فريدة في نشر القيم والأفكار التي يؤمن بها في سبيل الدفاع عن بلاده، فقيل عنه أنه "جيش إعلامي" وقد باتت صفحته متابعة على امتداد الوطن العربي وكان لها التأثير البالغ في النفوس، ما جعل الصفحة وصاحبها هدفاً يومياً للنيل منه من قِبل جيش من الأقلام ووسائل الاعلام على تباينها "وجلها معروف وليس بخاف على أحد"، لا لشيء سوى أنه يدافع عن قناعاته وما يؤمن به صوناً لبلاده.
•لقد تم إيقاف صفحات عديدة له من قبل، ولطالما كانت هناك محاولات مستميته لثنيه عن متابعة نشره لأفكاره وقناعاته، لما لها من دور في شدّ العزيمة، ونشر الأمل والإيمان بمقدرة بلاده على مواجهة العدوان ضدها، وقد استمر هذا الاستهداف لسنوات، ما حدا به إلى تأسيس مجموعة مغلقة على تطبيق "واتس أب" أسماها بـ"سيوف العقل مع بهجت سليمان" ضمت باقة من خيرة المثقفين، من الإعلاميين والكتاب والأدباء والاختصاصيين والسياسيين والديبلوماسيين، تجري فيها حوارات ونقاشات مبرمجة وعلى سوية فكرية رفيعة، ومازالت تلك المجموعة حتى الساعة بذات السوية والحماس التي عهدته قبل رحيل مؤسسها. 
•حرص اللواء بهجت سليمان طيلة الفترات الزمنية التي لم يكن يشغل فيها أي من مواقع المسؤولية، وكذلك بعد عودته من مهمته الديبلوماسية الأخيرة في الأردن، على الالتزام بدوام يومي يصل الى إحدى عشرة ساعة يومياً في مكتبه الخاص "الذي كان منزلاً له ابتاعه له والده في أوائل السبعينات"، وكان يُفرد كل جهده للدفاع عن بلاده وقناعاته التي يرى أنها في خدمة وطنه، ويقضي وقته في القراءة والتواصل مع زواره من النخب الفكرية، ليس في سوريا فحسب بل من شتى البلدان العربية، حيث كانوا يرون في الراحل الدكتور بهجت ملاذا فكرياً و وطنياً وعروبياً يمنحهم جرعات من القوة والأمل.
لقد عبر الفارس سريعاً، كحلم جميل صحونا منه قبل أن يكتمل، وكأن قدر الفرسان أن يومضون كالبرق فلا تكاد قلوبنا وعقولنا أن تلتقط نفحة من عبق أرواحهم الزكية، حتى يرحلون، ليتركون حرقة في قلوب محبيهم لا تفارقهم، وليدركون قيمتهم بعد رحيلهم أكثر، ولربما تعزز الادراك لتلك القيمة مع تقادم الزمن. 
ولكن يبقى عزاء محبي الراحل أنه مازال حيا بينهم بفكره و روحه ومواقفه ومبادئه و بالقيم الوجدانية العالية التي لازمته طوال رحلته، فلقد ترك لنا إرثاً كبيراً يمكننا أن ننهل منه دون أن ينضب، عمّدتهُ تجربته الثرية بالأحداث، والحافلة بقيم ومواقف، ما أحوج محبيه اليها اليوم.

لقد صعدت روحه الى عليائها وهو الذي كان يدرك بعضا من مفاتيح سر الروح، فقد تشابكت فيه خلايا الجسد بخيوط الروح، فغادرنا مبتسما نحو سفر الروح الذي خَبرَه واختمره جيداً، ليتركنا في شقائنا الدنيوي المادي، نحو عالمه النوراني الأزلي.

من نظريّةِ التحريرِ.. إلى نظريّةِ الانهيار!.. "حزبُ اللّه" وتكتيكُ الاستنزافِ المباشر!..
على الضفاف الأخلاقية والمهنية للدكتور خلف الجراد
على خلفية شماتة بعض المتصهينين في المقاومة.. تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان
منير عبد الله كما عرفه نصر شمالي
على خلفية خطاب المرشد الإيراني: حلم الصهاينة يتجاوز حدود فلسـطين ويشمل كامل المنطقة وشعوبها من طنجة إلى جاكارتا
هذا الحلّ مع من لايملك نخوة وشرفاً
قصة حقيقة وتجربة علمية بتصرف
كنت دوما ما أتهرّب من سؤال: ماذا لو غيّب الموت سماحته؟
إلى الذين حسدوني لعلاقتي وقربي من السيد نصر الله
أعمدة من ورق.. عن نصر شمالي
نصر شمالي متذكراً غازي عقل
ماهي أهدافُ العدوانِ على لبنان؟!.. ومن كانَ وراءَ اختراقِ "حزب اللّه"؟!..
أين يحصل مثل هذا ومع من؟!
تحالف سخّمني والبغل.. ومشعل والقرضاوي وأردوغان!
محور المقاومة يُخِيْفُ ولا يخاف