كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ديمقراطيات لا تسمن ولا تغني من جوع!

 

صبحي غندور- مدير مركز الحوار العربي في واشنطن

كيف نفسّر هذا التناقض الخطير الذي تعيشه مجتمعات كثيرة في العالم، بين قلّة تملك الكثير، وكثرة تملك القليل أو لا تملك شيئاً ويعاني بعضها من التشرّد وعدم الرعاية الصحّية ومن الجوع أو حتّى الاضطرار إلى إخلاء المساكن؟

هناك في العالم الآن عموماً حالة انحسار للطبقة الوسطى وازدياد مخيف لعدد الفقراء ولقيمة ثروة الأغنياء. وقد نشرت المنظّمة العالمية للغذاء والزراعة (الفاو) منذ سنوات قليلة، معلومات أشارت فيها إلى مخاطر الأزمات الاقتصادية العالمية والتي دفعت بأكثر من مليار شخص في العالم إلى مستوى حالة الجوع، ويعني هذا أنّ هناك جائعاً واحداً من كل ستّة أشخاص في العالم، هذا العالم الذي ينفق على التسلّح سنوياً حوالي 1500 مليار من الدولارات!

طبعاً، غالبية الجياع هم من أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، وكذلك هي حروب العالم المعاصر على أرض هؤلاء. وكأنّه كُتِب على شعوب الدول النامية والفقيرة أن تجمع بين الابتلاءين: الجوع والخوف معاً!

فالعالم اليوم يدفع ثمن مزيج من العوامل التي تراكمت في العقود الماضية وجعلت الكرة الأرضية موزّعةً في أزماتها السياسية والعسكرية بين "شرق وغرب"، ثمّ في أزماتها الاقتصادية بين "شمال وجنوب" بحيث لم تسلم بقعة على هذه الأرض من آثار ما فعله "الإنسان" المستخلف عليها لرعايتها وإعمارها، حتّى القطب الشمالي المتجمّد مهدّد بالذوبان بفعل ما خلّفته "الحضارة الصناعية" من تأثيراتٍ سلبية على المناخ.

وإذا كان مفهوماً ما تخلّفه الحروب والكوارث الطبيعية من حالات تشرّد وجوع وبطالة، فما تفسير هذه الحالات في مجتمعاتٍ لا هي في حروب ولا تعيش مخلّفات كارثة طبيعية إلا أن تكون هذه المجتمعات مفتقرة للعدل الاجتماعي والسياسي وغنية بالفساد والاحتكار وسوء توزيع الثروات الوطنية وهيمنة الجشعين الفاسدين فيها على مقاليد الحكم.

قد تكون الحروب بين الدول هي مسؤولة أحياناً عن وجود حالتيْ "الخوف والجوع"، لكن قد تحدث الحروب أيضاً بسبب تفاقم مشكلة "الخوف من الآخر"، كما قد يشهد العالم حروباً إقليمية لأسباب اقتصادية ترتبط بالخوف من الجوع نفسه، أو محصّلة لضغوطاتٍ وعقوبات اقتصادية. فحالتا "الخوف والجوع" عوامل سببية لحروب كما هي حصادٌ طبيعي للحروب نفسها.

وتتزامن في هذه الفترة قضيتان تزداد الخلافات حولهما بين العديد من دول العالم، وهما: السياسة والاقتصاد، وكلاهما معاً يشكّلان مفاهيم الأمن السياسي والأمن الاجتماعي، على مستوى الحكومات، وهواجس محاولة تأمين لقمة العيش والخشية على العيش نفسه، على مستوى الشعوب. فالجوع والخوف هما أسوأ ما يُبتلى به فردٌ أو جماعة أو أمّة.

وقد انشغل العالم في العقود الثلاثة الماضية بمقولة الديمقراطية السياسية بعدما انهارت تجربة الأنظمة الشيوعية التي كانت تهتمّ بمسألة العدل الاجتماعي فقط، وتقف سلباً ضدّ قضايا الدين والقوميات والحرّيات العامّة وصيغ نظام الحكم الديمقراطي.

ولأنّ "المنافسة الحرّة" هي أساس في النظرية الرأسمالية، فإنّ حواجز الحدود والثقافات يجب أن تسقط أمام روّاد الرأسمالية من أصحاب شركات كبرى ومفكرين واقتصاديين وسياسيين. كذلك، فإنّ "المنافسة الحرّة" تعني المنافسة وسط المجتمع الرأسمالي نفسه، وتكون نتيجة المنافسة محكومة بقانون "البقاء للأقوى".

لذلك، جاءت "أطروحة العولمة" كنتاج طبيعي لوجود الفكر الرأسمالي نفسه والذي لا يعترف بحدودٍ جغرافية أو حواجز ثقافية.

وقد تختلف أساليب "عولمة" هذا الفكر ومحاولات نشره من عصرٍ إلى آخر، من استعمارٍ مباشر (كما كان في الماضي) إلى محاولة التحكّم بالقوى الفاعلة داخليًا (كما هو في الحاضر)، لكن يبقى الهدف عند دعاته: تأمين مزيد من الأسواق للاستهلاك، ومزيد من الثروات للاستيلاء عليها، وتقنين العلاقات داخل المجتمعات وبين بعضها البعض على أساس أوضاع ثقافية وسياسية واقتصادية تصون قوانين "الرأسمالية" ووجودها ودورها.

وستضطرّ الأنظمة الرأسمالية الآن، والتي يُعاني معظمها من أزماتٍ حادّة، إلى مراجعات كبيرة في أفكارها وممارساتها وربّما إلى تعديل مفاهيم جوهرية في طبيعة "الاقتصاد الحر" بحيث لا يُترك "السوق" وحده كمرجعية، وإلى اعتماد التدخّل الحكومي في مراقبة حركة "السوق"، والتخطيط الاقتصادي الشامل الذي يجمع بين مسؤولية "القطاع العام" ودور "القطاع الخاص". وهذه مفاهيم تنحو نحو صيغة "الاشتراكية الاجتماعية" التي تعتمدها الآن بعض الدول، والتي تقوم على الجمع بين الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، وبين "الاقتصاد الحر" من جهة، ورقابة الدولة وتخطيطها الشامل من جهة أخرى.

فالديمقراطية وحدها فقط ليست هي العلاج السحري الناجع لحالتيْ الجوع والخوف. وليس بالضرورة أن ترتبط الديمقراطية بالعدالة الاجتماعية وبالأمن الاجتماعي وبالقيم الأخلاقية. ولعلّ خير مثال على ذلك، الأنظمة الديمقراطية الغربية عموماً التي حرصت على النظام الديمقراطي داخل مجتمعاتها بينما أباحت لنفسها استعمار واحتلال شعوب أخرى. فهي ديمقراطيات عنصرية لأنّها استباحت شعوباً أخرى لصالح مصالحها، وهي حتّى غير عادلة في مجتمعاتها أحياناً، حيث ما زال القوي الغني يأكل الضعيف الفقير، وهذا سياق طبيعي للترابط الحاصل في الغرب بين الديمقراطية في نظام الحكم السياسي وبين مقوّمات الاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة الحرّة!

ولم تتحقّق رفاهية العيش في مجتمعات الغرب حصيلة وجود الديمقراطية فقط، وإنّما أيضاً حصيلة أحد أمرين أو الاثنين معاً: السيطرة على شعوب أخرى ونهب ثرواتها.. والنظام الاتّحادي التكاملي الذي أوجد قدراتٍ اقتصادية هائلة، كما هو حال الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي والاتّحاد الروسي والصين الكبرى.

وها هو العالم اليوم يعاني من تجاهل مسألة العدل الاجتماعي وحقوق النّاس في لقمة العيش والعمل والسكن والضمانات الصحّية والاجتماعية بعدما انشغلت أممٌ عديدة في صراعاتٍ حول قضايا "الدين والقومية والديمقراطية"!. ونجد أيضاً في أزمنة وأمكنة مختلفة مشكلة انحسار المفاهيم الصحيحة لهذه القضايا الكبرى المعنيّة البشرية.

من نظريّةِ التحريرِ.. إلى نظريّةِ الانهيار!.. "حزبُ اللّه" وتكتيكُ الاستنزافِ المباشر!..
على الضفاف الأخلاقية والمهنية للدكتور خلف الجراد
على خلفية شماتة بعض المتصهينين في المقاومة.. تحرير الأنفس أصعب من تحرير الأوطان
منير عبد الله كما عرفه نصر شمالي
على خلفية خطاب المرشد الإيراني: حلم الصهاينة يتجاوز حدود فلسـطين ويشمل كامل المنطقة وشعوبها من طنجة إلى جاكارتا
هذا الحلّ مع من لايملك نخوة وشرفاً
قصة حقيقة وتجربة علمية بتصرف
كنت دوما ما أتهرّب من سؤال: ماذا لو غيّب الموت سماحته؟
إلى الذين حسدوني لعلاقتي وقربي من السيد نصر الله
أعمدة من ورق.. عن نصر شمالي
نصر شمالي متذكراً غازي عقل
ماهي أهدافُ العدوانِ على لبنان؟!.. ومن كانَ وراءَ اختراقِ "حزب اللّه"؟!..
أين يحصل مثل هذا ومع من؟!
تحالف سخّمني والبغل.. ومشعل والقرضاوي وأردوغان!
محور المقاومة يُخِيْفُ ولا يخاف