في برلين تستطيع أن تفرش بيتك مجاناً من أحد ما أو من الشارع.. يوميات برلينية6
2024.08.30
محمد عزوز
نعم، في برلين تستطيع أن تفرش بيتك مجاناً من أحد ما أو من الشارع، ولا أقصد هنا القمامة، بل من الطبيعي أن يستغني أحدهم عن غرفة نومه أو ضيوفه ليستبدلها بأفضل، فيضع القديمة أمام بيته، يفكك الخزانة، ويترك الصوفاية التي تتحول بسهولة إلى سرير، البراد والجلاية والفرن تبقى كما هي تماماً، هذا عدا عن أدوات المطبخ بكل تفاصيلها مفردة أو مجتمعة، تبقى في الشارع أياماً، تحتاج إن كان بيتك بعيداً واخترت ما لا يمكن حمله، إلى أجور نقل.
والحالة الأخرى أن يعلن أحد ما عن إمكانية استغنائه عن أثاث كهذا مجانا عبر النت، ويترك لك العنوان أو رقم الهاتف، وما عليك إلا التوجه للعنوان والحصول على الأثاث.
وإذا بقي هذا الأثاث مدة دون أن يأخذه أحد ما، تقوم شركات استثمار القمامة بنقله عبر رافعة وسيارة نقل إلى أمكنة مخصصة لذلك..
ولذلك هنا لا يعاني الشباب وخاصة اللاجئ المحتاج من تأمين أثاث بيته المستأجر، والبيت في الأساس لا يكون أكثر من غرفة أو غرفتين صغيرتين، وبالتالي ليس مطلوباً منه قطع أثاث كثيرة، وفي أسوأ الأحوال يستطيع تأمينها عبر النت عبر صفحات الأثاث المستعمل بسعر رمزي إن لم يكن مجاناً.
الألماني، وصار العربي المهاجر مثله، لا يستقبل في بيته الضيوف أو يقيم العزائم أو دعوات حفلات عيد الميلاد، بل تتم في الحدائق أو الصالات المستأجرة (كافيه – مطعم - بار)، واعتاد الجميع على تناول طعامه في هذه الأماكن بسعر يماثل تقريباً تكلفة طعامه المطبوخ في المنزل وليس فلكياً كأسعار المطاعم في بلادنا، لذلك تجد المطابخ صغيرة، ولا يحتاج فيها إلى كثير من الصحون والطناجر وغيرها من أدوات المطبخ.
كنت أحب مشهد الأثاث المرمي في الشوارع التي أمر فيها، رغم أننا لم نكن نحتاجها، فقد جهز لنا الأولاد كل ما نحتاجه في أمكنة إقامتنا، وكنت أراقب كيف تستجر خلال الساعات أو الأيام الأولى، فأعرف أنها أسعدت بشراً يحتاجونها.
وتأكدت بنفسي من صلاحية كثير من الأدوات التي صادفتها، خاصة أن من دفع بها إلى الشارع يكتب عليها بالألمانية أو الإنكليزية أنها صالحة أو بها عطل بسيط، ففي برلين لا تجد محلات لإصلاح الأثاث، لذلك عندما تكون هذه القطعة من الأثاث بحاجة لمسمار أو برغي يتخلى عنها، ويشتري غيرها.
أفرح لهذا الذي أراه وأحسه، وأتذكر أبناءنا الشباب في بلدنا، كيف يجد الواحد منهم صعوبة في تأمين البراد والغسالة والأثاث الآخر لغلاء سعره أو حتى عندما تتعطل إحدى الأدوات الكهربائية وتصير أجرة إصلاحها عبئاً كبيراً لا تستطيع الأسرة تحمله، فهل سنصل في سنواتنا القادمة إلى مرحلة يصير فيها كل ذلك أمراً ميسوراً؟ كأحد الأمور التي تحد من هجرة الشباب إلى عالم الغرب هذا، أو حتى دول أخرى يكون كل ذلك فيها أمراً في متناول اليد وليس حلماً كباقي الأحلام في وطني.