كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشيخ طاهر الجزائري والتوفيق بين الدين والعلم

د. عبد الله حنا- فينكس

بعد حادثة المجتهدين (محاكمة المجتهدين 1313هـ - 1896م) بعقد من الزمن، اضطر في سنة 1907 المستنير الشيخ طاهر الجزائري لمغادرة دمشق والإلتجاء إلى مصر هرباً من الاستبداد الحميدي (العثماني). لقد فتح الشيخ طاهر الجزائري في دمشق طريقاً جديداً كان له أثره العميق في مسار التطور الفكري اللاحق في النصف الأول من القرن العشرين. فمن حلقته تخرج عدد من قادة الحركة الوطنية العربية في الربع الأول من القرن العشرين وهو رائد حركة التنوير الدمشقية.
وقف الشيخ طاهر الجزائري "ضد المؤلفين، الذين يضيعون الوقت بالمؤلفات الفارغة، إذ يتناولون كتاباً قد شرحه من سلفهم شروحاً عديدة، فيعيدون شرحه بنفس ألفاظ الُشرَّاح السالفين بدون إدخال إصلاح أو تجديد أو اختراع في الاسلوب". كما سعى الجزائري إلى "التوفيق بين الدين والعلم والعمران"، ورأى ان "جمود المعلمين السطحيين المنكرين للخسوف والكسوف والقائلين بتسطح الأرض وارتكازها على قرن ثور (هذا في أواخر القرن التاسع عشر) يبعد خريجي المدارس العصرية عن الدين. ولهذا تجب الحرب ضد جمود الجامدين من أدعياء نصرة الدين، الذين يحاولون الحيلولة بينه وبين العلم والعمران". ودعا الشيخ طاهر "إلى الأخذ بالنافع من التمدن الحديث مادياً كان أو أدبياً ونبذ الضار منه".
"لم يمارس "الشيخ طاهر، كما كتب عنه محمد كرد علي، "التافهات ولا شغل قلبه بالبدع والضلالات، وكان درس الشيخ طاهر درساً حقيقياً يراد منه الرجوع بالشريعة إلى أصولها، والأخذ من آدابها بلبابها، ومحاربة الخرافات، التي استمرأتها طبقات المتأخرين، ولا من يجرؤ على انكارها".
ولقد لقي الشيخ طاهر مقاومة من أعداء الإصلاح الجامدين، وكانوا كثيراً ما يستعينون عليه بالقوة الزمنية، فيشكونه إلى الحكام، ويسوّدون صفحته عندهم . وأخيراً اضطر الشيخ طاهر عام 1907 إلى مغادرة دمشق فراراًمن ظلم السلطان عبد الحميد واتباعه في دمشق، والتجأ إلى مصر، وبقي فيها إثني عشرة سنة. ثم عاد عام 1919 في عهد الدولة الوطنية العربية، حيث عُيّن عضواً في المجتمع العلمي ومديراً لدار الكتب الظاهرية، التي كان أنشأها في أواخر القرن التاسع عشر.