كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

غسان عجلوني.. مختار دير عطية

د. عبد الله حنا- فينكس:

صبيحة الثالث والعشرين من كانون الأول لعام 2022 أدركت المنيّة غسان العجلوني، مختار ديرعطية، المختار الوحيد، الذي لم يأخذ ليرة سورية على أية معاملة ختمها. فكان عمله لوجه الله تعالى وخدمة لأهالي ديرعطية دون مقابل.
غسان عجلوني العفيف النفس هو سليل عائلة كان بيتها مفتوحا للجميع.
***
كان جد والده عبده العجلوني جمالا ( مكاريا ) شأنه شأن قسم من أهالي ديرعطية ومعظم أهالي النبك، الذين كانوا يصلون بجمالهم المحمّلة بالبضائع حتى ديار بكر في شرقي الأناضول.
ولكن عزيز بن عبده وهو جد فقيدنا غسان اختط طريقاجديدة مخالفة لوالده. فبعد أن ألمّ بالقراءة والكتابة تعلّم مهنة تطعيم الصدف في دمشق، وسرعان ما ارتقى في المهنة، وفتح مشغلا في دمشق في سفل التلة في دار بيت شامية.
وسرعان ما تمكّن عزيز العجلوني (جد المرحوم غسان) من صنعة الصدف وذاع صيته وباع ما صنعت يداه بسهولة. كانت صنعة الصدف كما كتب صاحب قاموس الصناعات الشامية من المهن، لاقت رواجا بدمشق وسائر البلاد العثمانية والأجنبية.
ولكن تطعيم الصدف سَبّب لعزيز العجلوني مرض العيون. ولهذا قرر ترك هذه المهنة والتوجه إلى أمريكا (الأرجنتين) عام 1899 للعمل فيها. وبعد عودته بسنوات استأنف عزيز العجلوني العمل في مهنته القديمة المحببة إلى نفسه. وقد تحوّل تطعيم الصدف وما يرافقه من النجارة إلى هواية متأصلة في نفس عزيز العجلوني. ويبدو ذلك واضحا مما خلّفه من تراث فنّي احتفظ به ابنه عبده ومن ثمّ أحفاده في إحدى الغرف ذات الطابع الشرقي الجميل والمتناسق في ترتيبه. فثمّة اطارات ولوحات خشبية مصدّفة ومعلقة على الجدران بأسلوب بديع. وهي تحمل عبارات ذات مدلول اجتماعي من صنع وكتابة عزيز العجلوني مؤرخة في عام 1911 وما قبله. ويلاحظ فيها عدم استخدام عزيز للعبارات الدينية. وهذا ما يعكس ايديولوية الرجل . نقرأ على هذه اللوحات العبارات التالية:
"البشر عنوان الكرم"، "الاستقامة عين الكرامة"، "العين مرآة القلب"، "من تأنى نال ما تمنى"، "العلم والأدب أفضل من الذهب".
أواخر 1911 هاجر عزيز مرة ثانية إلى أمريكا (الأرجنتين)، حيث عمل في التجارة وحالفه الحظ، وعاد إلى الوطن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918 مثقلا بالذهب. فسكن في ديرعطية مع أسرته، التي ذاقت الأمرين في فترة غيابه أثناء السفر برلك.
شرع عزيز العجلوني بعد عودته الثانية في تحقيق مطامحه المتمثلة بالارتباط بالأرض، والقيام بنشاط زراعي متقدم. وهذا الطموح والارتباط بالأرض وما تنتجه بلغ لدى عزيز – وعدد من المهاجرين العائدين إلى ديرعطية – درجة الهوس. وهو مؤشر على العقلية الكفاحية السائدة في ذلك الحين، والساعية إلى العمل في الميادين الانتاجية وبخاصة الزراعية والرعوية منها.
كان من أهم ما قام به عزيز العجلوني تَزَعُمه مشروع تشجير الجبل في أواخر عشرينيات القرن العشرين، والاسهام في إعمار ما عرف بمزرعة البريكة ودفع حصته من نفقات حفر أو تعزيل قناة البريكة دون تردد أو خوف من عواقب الفشل.
احتل عزيز العجلوني بعد عودته الثاني من امريكا مرتبة الوجاهة في دير عطية، و أصبح عضوا في المجلس البلدي عام 1933. ويلفت النظر توقيعه المستدير الشكل الغني بالزخارف على محاضر جلسات المجلس البلدي.
يُطْلِق حسن شعبان في دفتر مبيعاته في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين على عزيز العجلوني لقب "خواجا"، وهو لقب كان يُطلق في دمشق على وجهاء المسيحيين وأغنيائهم، مقابل لقب الأفندي على الغني المسلم. أما فقراء المسلمين والمسيحيين فكانوا ينادون بأسمائهم "حاف" دون لقب.
***
ورث عبده بن عزيز العجلوني عن أبيه ثروة طائلة في مقاييس ذلك الزمن، كما ورث بعضا من الوجاهة والدار المفتوحة لاستقبال الضيف.
أنجب عبده عزيز العجلوني من الذكور:
فيليب الرجل الكريم الشهم وكيل إحدى الشركات اليابانية، وقد دعم ماليا بيت المجد، الذي بناه جده.
حسيب كان ضابطا في الجيش السوري ويعيش حسب معرفتي في منزل جده في دير عطية.
فقيدنا غسان الذي تولى بجدارة إدارة ممتلكات أبيه عبده الموروثة من الجد عزيز.
***
المعذرة إذا قادنا قلمنا لتوضيح تاريخ "بيت عزيز"، ونحن في ميدان عزاء الفقيد غسان رافع راية بيت عزيز دهرا من الزمن، غسان عجلوني مختار دير عطية العفيف النفس، الذي قلّ مثيله.
***
ونحن في غمرة الحزن على رحيل فقيدنا غسان يرفرف في سماء دير عطية روح زوجته المرحومة المربية نبيهة رفيق الخوري ذات الباع الطويل عقودا من الزمن في النشاطات الاجتماعية.
فلهما الرحمة