كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العلّامة خير الدين الأسدي

في واحد من أقدم أحياء حلب القديمة وهو ”الجلّوم”، ولد خير الدين الأسدي في عام 1900، في بيت علم ودين، وتلقى تعليمه في المدرسة الرضائية “العثمانية”، حيث تبحر في علوم اللغة العربية إلى جانب أصول الدين والفقه.

أسس الأسدي مكتبته الخاصة وهو لم يبلغ العشرين من عمره، وحرص على أن تضم أمهات الكتب والمخطوطات، لتوصف بأنها من أكبر الخزائن في سوريا ولبنان.
وكان الأسدي أول من خلع الطربوش في ذلك الزمان، رغم استنكار الناس واتهامه بالكفر والزندقة، كما انطلق في تدريس اللغة العربية التي يحب، وأرغم طلابه على التحدث بالفصحى.
في عام 1923، كان العلامة على موعد مع حادثة غيرت حياته للأبد، حيث كان يقوم بتدريب طلابه في مدرسة “الفاروقية”، على أداء مسرحية بعنوان “الاستقلال”، وعندما جاء موعد العرض أحضر معه باروداً، ليجعل العرض أقرب للحقيقة فانفجر وأصيب بيده اليسرى إصابة بليغة، فقد على إثرها كفه.
ويروي تلامذته عنه ورغم انطوائه وانكفائه بعد الحادثة، استمر في التدريس، ولم يكن يراقب تلامذته في الإمتحان بل كان يوزع الأسئلة ويترك الممتحنين دون مراقبة، ويقول في ذلك “إن منح الثقة للإنسان ضروري لدفعه دوماً إلى الالتزام بالأمانة”.
قضى الأسدي سنوات لينجز الموسوعة، التي أحصيت في سبع مجلدات من الحجم الكبير، وضم حوالي خمسين ألف كلمة حلبية دارجة، وأكثر من عشرة آلاف مثل وقدرت مصادر ومراجع الموسوعة ب 300 مصدر.
عرف عنه شغفه بالتاريخ والآثار وغذى ولعه بالسفر حيث زار القدس في سنة 1946، وزار القاهرة وتركيا والعراق وايران وشمال افريقيا واسبانيا وعدة بلدان أوروبية، واطلع على مكاتبها وعلومها.
وثق العلامة سوريا توثيقياً تصويرياً، وقدر عدد الصور التي جمعها في رحلاته ب 40 ألف صورة رتبها على حسب حروف الهجاء، وقاد بنفسه بعثة تنقيب في كهوف –تلة السودة- في حي المغاير باحثا عن ما يرشده إلى آثار الإنسان الحلبي الأول”.
بدأ وهو في الستين من عمره بتعلم اللغة السريانية، وغيرها من اللغات السامية كالعبرية والكلدانية، كما ألم بالإيطالية والفرنسية والتركية والأرمنية، وكان خبيرا باللهجة الحلبية وأصل الكلمات حتى أصبح مرجعاً.
وفي عام 1967 عقد الأسدي ندوات ثقافية على مدى أربعة أيام متتالية وكانت القاعة تمتلئ بالرواد، وكان له موعد إذاعي في برنامج بعنوان “أنت تسأل وأنا أجيب”، كان يجيب على أسئلة المستمعين بصوته المميز وثقافته العالية.
أصدر كتابه “حلب: الجانب اللغوي من الكلمة”، في الوقت الذي كان العمل على موسوعته الكبرى “موسوعة حلب المقارنة” مستمراً دون توقف، وكتاب ”يا ليل” الباحث في أصل كلمة يا ليل ومنشأها وجاء كتاب ”أغاني القبة” وهي نفحات من الشعر الصوفي المنثور.
قضى العلامة المتصوف أيامه الأخيرة مريضاً في دار للعجزة، ولما استشعر دنو أجله، كتب مُوصياً بأغلى ما يملك-مكتبته- موجّهاً وصيته إلى محافظ حلب قائلاً: “لدي مكتبة تضمّ نفائسَ الكتبِ والمخطوطاتِ أهديها إلى بلدي والعالم”.
طلب الأسدي أن يقام له ضريحٌ يُكتب عليه العبارة التالية فقط: (خير الدين الأسدي)، ولسخرية القدر أنّ هذهِ الرغبة على بساطتها لم تُحقّق، ففي صبيحة 29 كانون الأول من عام 1971، وُجِد ”محمد خير الدين أسدي” مُتكوّماً على نفسه في غرفته، مُحاطاً بأوراقه ومخطوطاته، وقد أسلم الروح.
وسجل اسم “ضياء الدين أسد” بدلاً عن اسم “خير الدين الأسدي” في سجل مكتب دفن الموتى، فبقي دون قبر ولا شاهدة.
من مؤلفاته:
1. قواعد الكتابة العربية. المطبعة العلمية، حلب: 1341 هـ.
2. يا ليل (دراسة). مطبعة الضاد، حلب: 1957م.
3. البيان والبديع (دراسة). مطبعة العصر الجديد، حلب: 1936م.
4. عروج أبي العلاء للشاعر الأرمني أويديك إسحاقيان. (ترجمة بالاشتراك)، حلب: 1940م.
5. حلب (الجانب اللغويُّ من الكلمة). مطيعة الضاد، حلب: 1951م.
6. أغاني القبة (نفحات من الشعر الصوفي المنثور). مطيعة الضاد، حلب: 1951م.
7. ليس (مقالة) مطبعة العصر الجديد، حلب: 1937م.
8. السماء (مقالة). مطبعة النهضة، حلب: 1940م.
9. حلب (مقالة). 1940م.
10. أحياء حلب (دراسة) دار قتيبة، دمشق: 1942م.
وله المخطوطات التالية:
1. الله
2. أحياء حلب وأسواقها من تحقيق عبد الفتاح رواس قلعة جي.
3. أيس وليس
4. الألف
5. الموسوعة في النحو
6. تاريخ القلم العربي
هذا بالإضافة إلى العديد من المقالات اللغوية والأدبية التي نشرت في بعض المجلات، ومن الأحاديث التي أذيعت من إذاعة حلب.
وفي الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) عام 1983، منح خير الدين الأسدي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى فلقي بذلك بعد وفاته التكريم الذي لم ينله في حياته.
إعداد: محمد عزوز
من كتابي (راحلون في الذاكرة) برسم الطبع