كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عملاق الصحافة السوريّة نجيب الريّس

خالد محمد جزماتي- فينكس:

منذ وقت مبكر من حياتي واهتماماتي السياسية، حصلت على بعض المعلومات المهمة عن عملاق الصحافة نجيب محمود الريس، منها أنه الأخ غير الشقيق لأبناء الشيخ محمود الحامد، وهم الشاعر الكبير بدر الدين الحامد والعلامة الشيخ محمد الحامد والأستاذ عبد الغني الحامد، وأن أباه كان من العاملين مع رجال النهضة الوطنيين وغادر الحياة بشكل مبكر.. ولقد ذاق الصحفي مرارة السجن وقسوته عام 1922، حيث سجنه الفرنسيون مع بعض الوطنيين مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر والدكتور خالد الخطيبوغيرهم في معتقل جزيرة أرواد، وهناك نطق بأبيات شعره الذي أصبح على لسان كل عربي، وما زال حتى الاّن، وأول بيت منها: يا ظلام السجن خيم.. صفحة من جريدة القبس السوريةإنا نهوى الظلاما... وهو الذي أصدر جريدة القبس الشهيرة عام 1928 الذي كان يخشاها المحتلون الفرنسيون، وكل متخاذل من السياسيين المحليين والممالئين لسلطات الاحتلال.. وهو قريب الصحفي المجاهد منير الريس صاحب جريدة "بردى" التي أصدرها عام 1946، وصاحب المجلدات الثلاثة التي دوّن فيها تفاصيل مثيرة أقرب للحقيقة من أي مصدر تحدث فيه عن ثورة عام 1925 في سورية وعن ثورة فلسطين عام 1936، وعن ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وهو المشارك في جميع تلك الأحداث.. ولقد فارق نجيب الريس الحياة بشكل مفاجىء عام 1952، تاركا لولده رياض ارثا وطنيا عظيما وعمره يومئذ لا يتجاوز خمسة عشر عاما، فكان مثل أبيه صحفيا عملاقاً، تابع مهنة أبيه وعشقها وأبدع فيها، فكان للصحافة الحرة قدوة ورمزا لا يضاهيه في ذلك الا القليل النادر... ولقد قرأت في كتابه الصادر عام 1996 عن كتاب الناقد "أكتب اليكم بغضب كي تقول لا في عصر نعم" تعريفا للصحافة للفيكونت " فيليب دي طرازي" يقول فيه: الصحافة صناعة الصحف، والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب، والصحفيون القوم الذين ينتسبون اليها ويشتغلون فيها "وتابع شرحه للصحافة قائلاً:
-- الصحف رسالة خالدة.. .--الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تشيد عليها دعائم الحضارة والعمران..-- أن كل أمة متمدنة يجب أن تحترم الصحافة ..-- يجب أن تكون قاعدة الصحافة: كن صادقا ولا تخف ...-- إن الصحافة أجل وأعظم حرفة في العالم..-- الصحافة اّلة يستحيل كسرها ، وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشىء عالما جديدا ...-- أمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر ولا قلب لها فتشعر.....
ولقد قال المغترب العربي في جريدته "البرازيل":
تُرى ما الذي ترجو الصحافة خيره **
اذا لم يكن ما ترتئيه له صدى
فهل نفعت خيلٌ بدون فوارس
وهل دفعت سمرُ القنا وحد ها العدى
ويتابع في مقاله الشيّق عن الصحافة وعن مسؤولية وزراء الاعلام ونقابات الصحفيين العرب في ازدهارها ودورها في تقدم الامجتمعات أو في انكفائها... ولا يمكن في هذه العجالة الاحاطة بارث نجيب الريس وولده البار رياض، ولا بد للمهتمين بتاريخ المنطقة الحديث من قراءة أثار الرجلين وما خلفاه من أعمال صحفية مهمة جداً... وفي هذا السياق ارتأيت أن أعرج عل ذكر صحافة مدينتي الغالية حماة بعد انقلاب جماعة الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908 واعلان اعادة العمل بالدستدور لعام 1876 وهو مايسمى بالمشروطية الأولى ثم الثانية... ونتيجة لاعلان الدستور في الدولة العثمانية، صدر في حماة خمس صحف ومجلتان، أما الصحف فهم:
1- صحيفة "لسان الشرق" لصاحبها الشيخ أحمد الصابوني.
2- صحيفة "انخلي ياهلالة" لصاحبها عبد الرحمن المصري.
3- صحيفة "المكنسة" لصاحبها شمس الدين علواني
4- صحيفة "السيف" لصاحبيها محمد سالم المير ومحمد البارودي.
5- صحيفة "نهر العاصي" محمد جابر ومحمد علي الأرمنازي رئيسا لتحريرها.
أما المجلتان فهما: مجلة "الاخاء" لصاحبها جبران مسوح، ومجلة "الانسانية" لصاحبها الشيخ حسن رزق.
ولك أيها القارىء الكريم أن تتخيل عدد سكان مدينة حماة في بداية القرن العشرين الذي لا يتجاوز بضع عشرات الاّلاف من الناس، وكيف تصدر فيها خمس صحف ومجلتان تهتم بمواضيع سياسية وغير سياسية، تخيل كم الناس عطشى لحرية الكلمة والمطالبة بالنهوض والارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل.. ولو تتبعنا تفاصيل مقالات تلك الصحف لأخذنا العجب من عظمة ذلك الجيل المثقف الراقي ذي الأيدي النظيفة والقلوب الصافية الطاهرة... رحم الله الصحفي نجيب وابنه رياض نجيب الريس وطيب ثراهما.