كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هيثم محمد لـ"فينكس": أراد والدي أن أدرس معهد نفط لكن حلمي كان مختلفاً


الصحفي المخضرم "هيثم يحيى محمد" في حديث من القلب لـ"فينكس": أراد والدي أن أدرس معهد نفط ولكن حلمي كان مختلفاً.. من الحقوق للصحافة

إلى قرار الزواج المبكر من شريكة العمر

(الجزء الأول)

رنا الحمدان- فينكس:

في المؤتمر الأخير لفرع اتحاد الصحفيين بطرطوس انتقد الصحفي "هيثم يحيى محمد" سن التقاعد المفترض، واصفاً مهنة المتاعب بالمهنة الفكرية التي تتطلب ذهناً حاضراً، وعقلاً نشطاً، والتي لا يجب أن يحدها عمر، حيث يتقاعد الصحفي وهو في ذروة عطائه، وقمة نضجه. ولأن التقاعد لم يمنعه من الاستمرار في العمل، حيث لايزال مديراً لمكتب جريدة الوطن في طرطوس، ورئيساً لتحرير موقع أخبار سورية الوطن، ومحللاً ومتابعاً لمجمل التطورات والأحداث المحلية، وللكثير من القضايا الشائكة التي تهم المواطنين وأسر الشهداء والجرحى خاصة في هذه المرحلة، ما جعله محفزاً للعديد من المتقاعدين وخاصة من أبناء المهنة، للاستمرار في التفكير والعمل، ولو عبر صفحاتهم الاجتماعية فقط..هيثم يحيى محمد مع عائلته

و من الجدير ذكره، أنّه و خلال المسيرة الصحفية للزميل هيثم يحيى محمد، قد تمّ تكريمه عشرات المرات من قبل جهات رسمية و أهلية و تنظيمية و ثقافية و مجتمع محلي... الخ.

تعودنا على قراءة اسمه وتحقيقاته الصحفية المتفردة، حين كان الصحفي الوحيد الذي يستطيع الوصول لمعلومات دقيقة تتعلق بقطاعات عامة وخاصة حساسة، في زمن كان يصعب على صحفيين كثر الوصول إليها، كما تميّز بعلاقاته الواسعة، وتنظيمه وحسن استفادته من كل ما يسمعه ويعرفه، هذا كله جعل صحيفة الثورة اليومية منبراً للكثيرين من أهل طرطوس، خلال سنوات عمله الطويلة كرئيس لمكتب الصحيفة المذكورة بطرطوس، كيف لا وهو الحقوقي الذي شغف بالعمل الإعلامي واستمر به، ليبادله ذلك الإعلام كل النجاح والتكريم؟!

شغل عدة مناصب خلال عمله الوظيفي، وبقي اسماً مثيراً للجدل، وبالرغم من أن الطريق لم يكن معبداً بالورود، ولكن قوة الإرادة والقدر وتوفيق الله كانا الدافع للأمام.. محمد العاشق للحياة والعمل والذي لايزال يتابع حالياً مرحلة النقاهة من عملية دقيقة أجراها في القلب المفتوح، لم يردنا خائبين وخصنا بحديث خاص معه عبر الشبكة العنكبوتية أطلعنا خلاله على أبرز محطات حياته المهنية والعائلية الخاصة، وأهم المقترحات لتطوير العمل الإعلامي والنهوض به..هيثم يحيى محمد و الفنان أيمن زيدان

واليوم سنعرض عليكم الجزء الأول من الحوار الذي قررنا تجزئته لقسمين نبدأهما من قريته "كفران"، إلى جريدة الثورة، فالزواج والحبيبة، وإلى التوجه للعمل الإنساني بقوة خلال سني الأزمة، حيث ساهمت علاقات محمد الوطيدة بالعديد من المغتربين والمقتدرين ووجود العديد منهم على صفحته الفيسبوكية بإيصال صوت العديد من الحالات لمن يقدر المساعدة. يضاف إلى ذلك توجه محمد للعمل مع جمعية السبيل الخيرية التي ترعى المحتاجين والأيتام على وجه الخصوص..

عن المنشأ وبدايات العمل الصحفي:

ولد الصحفي هيثم يحيى محمد الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد الواقع بتاريخ 28-3-1960 في بيت أهله بقرية "كفران" التابعة لمنطقة طرطوس، والتي تبعد نحو 20 كيلو متراً عن مدينة طرطوس، ونشأ ضمن عائلة متواضعة بسيطة لكنها غنية بالكرم وحب الحياة، وعانى في طفولته من الذهاب إلى المدرسة، حيث كانت أقرب مدرسة للقرية مدرسة "مشرفة كحلة" التي تبعد عنها 3 كم. ويقول محمد: لم يكن يربطنا بها طريق سيارات، إنما طريق ترابي لا يتسع لأكثر من شخص يمر وسط الأشواك والأحراج، كنت أذهب وأعود عليه من الصف الأول وحتى الثاني والثالث الإبتدائي، حيث انتقلت الى مدرسة قرية "بسورم" في الصف الرابع، لأعود إلى قريتنا في الصف الخامس بعد أن أحدثت فيها مدرسة لأول مرة، ولأعود مجدداً إلى مدرسة "بسورم" في الصف السادس لعدم وجود سادس في مدرستنا. وفِي المرحلة الإعدادية درست في "سرستان" البعيدة عنا نحو خمسة كيلو مترات كنت أذهب إليها عبر طريق ترابي في الجبل والوديان.لا يتوفر وصف.

أما صف الثالث الإعدادي فقد درسه في إعدادية "ضهر مطرو". في حين درس المرحلة الثانوية في "رأس الخشوفة" التي كانت تبعد عنا نحو 10 كيلو متر ذهاباً وإياباً! و في هذا الصدد يقول: معظم الأيام كنّا نذهب ونعود مشياً على الأقدام، ورغم معاناتي في السير إلى مدرستي تحت كافة الظروف الجوية، لم أترك مجالاً للتعب في التغلب عليّ، فإصراري وإيماني بهدفي كان أقوى من أي ظروف صعبة.. وبعد حصولي على شهادة الثانوية بفرعها العلمي أصر والدي أن أسجّل في معهد النفط في حمص لأن خريجيه يتوظفون مباشرة.

لكن أصرّ على الدراسة الجامعية في أحد الفروع العلمية التي تسمح علاماته بالتسجيل فيها، بيد أن والده قال لي حينها أن إمكاناته المادية لا تسمح له في الصرف عليه و هو في دمشق وجامعتها حيث ان الفرع العلمي يحتاج للدوام، من هنا نزل إلى مدينة طرطوس عام 1979 مقرراً الحصول على الشهادة الثانوية الفرع الأدبي للتسجيل في الجامعة في كلية لا تحتاج إلى دوام، و هنا يقول: فعلاً درست دراسة حرة وكنت أعمل كاتب تعداد في المرفأ لتوفير مصروفي، وإيجار الغرفة التي استأجرتها، وبالفعل نجحت بعلامات تؤهلني للتسجيل في أي كلية، وقد اخترت الحقوق في جامعة دمشق بناء على نصيحة من أحد أساتذتي وحصلت على إجازة جامعية من جامعة دمشق عام 1986، وهنا بدأت المرحلة التي كانت حجر الأساس في حياتي المهنية حيث دخلت صحيفة الثورة عام 1982 لأنني كنت أحب الصحافة كثيراً.

و يفيدنا "محمد" أن الفضل في دخوله إلى "الثورة" تعود للأستاذ "محمد خير الوادي" الذي كان مديراً عاماً لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ورئيساً لتحرير الثورة يومها.. حيث استدعاه عبر الصحيفة بشكل مباشر ودون معرفة مسبقة، بل فقط نتيجة الرسائل التي كان يرسلها للجريدة وتنشر في صفحة المراسلين الشعبيين.. و يخبرنا الزميل "محمد": بعد أن تعرّف علّي -الأستاذ خير الوادي- عن قرب، أشاد بكتاباتي وسألني عدة أسئلة تتعلق بهواياتي ومتابعاتي وقراءاتي وعملي.. ثم طلب مني أن أجلس على طاولة الاجتماعات في مكتبه وأن أصيغ له /4/ أخبار أختارها بنفسي، ليتأكد إن كنت فعلاً من يكتب المواد التي أرسلها لصفحة المراسلين الشعبيين، وخلال فترة قصيرة جداً كتبت /4/ أخبار وقدمتها له.. وبعد قراءتها قال لي: ممتاز يبدو أنك محترف في العمل الصحفي.. ثم قرر تسميتي مراسلاً رسمياً للصحيفة في محافظة طرطوس، وزودني بكتابين للمحافظ "دنحو داؤد" و"عبد الكريم بلال" أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في طرطوس وقتذاك، يتضمنان اعتمادي مراسلاً لصحيفة الثورة، وبدأت عملي الصحفي بكل جرأة رغم أن المحافظ كان يكرهني بسبب كتاباتي كمراسل شعبي. و في عام 1984 دخلت مسابقة أجرتها مؤسسة الوحدة لتعيين صحفيين فيها، وكنت من الناجحين الأوائل في المسابقة، وعينت رسمياً منذ ذلك الحين في المؤسسة "جريدة الثورة".لا يتوفر وصف.

ويؤكد لنا محمد أنه خلال مسيرة عمله اتبع دورات عديدة في الإعلام واللغة الإنكليزية والكمبيوتر، وكل ذلك كان بهدف زيادة ثقافته وتطوير معارفه. وعام 1990 تسلم الأستاذ "عميد خولي" إدارة المؤسسة ورئاسة تحرير الثورة، وفور ذاك تم إحداث مكتب للصحيفة بطرطوس، وصدر قرار بتسميته رئيساً له، وبقي رئيسه حتى تقاعده بداية شباط من العام 2021.

العائلة الصغيرة:

يقول الصحفي محمد: «تزوجت مبكراً بعض الشيء بعمر /27/ عاماً.. وكان أحد العوامل التي جعلتني أبكّر في الزواج الخوف من الفشل في اختيار شريكة حياتي إذا ما تقدمت في السن كما هو الحال مع رفاقي الذين كنت ألتقي أو أسهر معهم يومياً.. حيث كان معظم هؤلاء أكبر مني سناً من /10-15/ عاماً وكانوا غير متزوجين، وكل واحد منهم كان يشكو من هذا التأخير.. ومعاناتهم من عدم القدرة على الاختيار، فقلت في نفسي إذا تأخرت في الزواج قد أصبح مثلهم! في خضم تلك المرحلة وزحمة تلك الأفكار صادف تعرفي على زوجتي المعلمة "ناديا عطية" التي كانت زميلة لأختي في إحدى مدارس طرطوس، ما سرع في زواجنا خلال فترة قصيرة من تعارفنا، وقد رزقنا الله بأربعة أولاد هم (أسامة محامي حالياً متزوج ولديه طفلان، لجين خريجة صيدلة ومتزوجة ولديها طفل وطفلة، لمى خريجة أدب انكليزي ومتزوجة في استراليا-يحيى خريج هندسة مدنية ويعمل حالياً في أبو ظبي).. وأستطيع القول إنني وفقت جداً في زواجي والحمد لله»، وقد كان لزوجتي تأثير كبير عليّ لجهة حبها لعملي وتفاعلها معي في كل ما كنت أقوم به من تحقيقات صحفية مثيرة، أو لجهة توفيرها الجو المريح في المنزل، ومن ثم لجهة متابعتها المستمرة للأولاد في المدرسة والبيت، وبشكل عام أستطيع القول إن للمرأة في حياة أي رجل الدور الكبير من جوانب مختلفة، بما فيها الجانب المعنوي الذي يدفع الرجل لأن يكون نموذج الرجل المثالي في نظر المرأة، سواء أكانت هذه المرأة زوجته أم صديقته أم زميلته أم حبيبته، وزوجتي هي كل ما ذكرته..

فمحطة العمل الإنساني:لا يتوفر وصف.

عن جانب العمل الإنساني يقول الصحفي محمد: خلّفت الحرب الإرهابية على بلدنا مآس كثيرة، فمن محافظتنا طرطوس قدّم آلاف الشباب أرواحهم في مواجهة الإرهاب وداعميه، كما قدم آلاف الشباب أيضاً أجزاء من اجسادهم فداء للوطن.. ومعظم الشهداء تَرَكُوا أزواجاً وأطفالاً وراءهم، وكذلك معظم الجرحى، وهؤلاء باتوا بأمس الحاجة لمن يقف إلى جانبهم من أهل الخير إضافة لما تقدمه لهم الدولة ضمن إمكاناتها المتاحة.

انطلاقاً مما سبق بدأ الزميل محمد في عام 2015 يسلط الضوء عبر صفحته الشخصية على الحالات الصعبة جداً طالباً من فاعلي الخير مساعدتها بشكل مباشر، وفي هذا الصدد يقول لنا: نجحنا في معالجة الكثير من الحالات بالتعاون مع فاعلي الخير (بناء بيوت- ترميم بيوت- فرش بيوت - شراء بيوت- استئجار بيوت- إجراء عمليات جراحية- تأمين أدوية- معالجة فيزيائية..الخ)، إضافة لتقديم إعانات مالية للآلاف من ذوي الشهداء والجرحى والمفقودين، وكلها موثقة على جداول تتضمن كافة المعلومات عن كل أسرة تتم مساعدتها مع توقيعها على مضمون الاستلام.

وفِي السنوات الأخيرة تم التعاون مع جمعية السبيل الخيرية، وبتنا من خلالها نعطي عشرات الأسر المحتاجة منحة شهرية، إضافة لرعاية الجمعية لنحو 300 يتيم على امتداد ساحة المحافظة، وهذه الرعاية المادية والمعنوية مستمرة حتى يتخرج اليتيم من الجامعة، ويدخل سوق العمل. وفِي هذا المجال يتوجه الصحفي محمد بالشكر لكل من يتعاون معه من أهل الخير ويستمر في هذا التعاون.

يتبع