كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الـدكـتـور أمـيـن رويـحـة

كتب خالد محمد جزماتي:

(1984-1901)
من هول الأحداث في العالم ومن بشاعة الحروب التي يشتد أوارها في بعض مناطق العالم، وخاصة في المناطق العربية، وأخيراً في أوربا الشرقية، يقرر بعض الأفراد الدعوة الى عدم تكرار نشر بعض أنباء أحداث التاريخ العربي الحديث ولو كان مشرفاً، لعدم جدوى التذكير به... و في هذا الصدد لا بدّ من القول إن استحضار بعض حوادث التاريخ وسيرة رجاله الأشداء، هو من الضرورات الأساسية لاستشراف المستقبل و إعداد الشباب ضمن عملية تربوية شاقة في جهدها ولكنها واعدة في نتائجها..
وفي هذا السياق حفّزتني ذاكرتي على استعراض بعض أخبار الرجل الوطني الكبير الدكتور "أمـيـن رويـحـة"، و ليرى بعض المشككين بأمتهم أن نساء هذه الأمة ولاّدة لرجال ونساء مبدعين وأفاضل....غلاف كتاب التداوي بالأعشاب
وُلد الدكتور أمين رويحة في اللاذقية عام 1901، وأبوه محمود بن محمد بن قاسم بن يحيى، أما جده يحيى هو حموي الأصل فقد سافر إلى اللاذقية بقصد العمل، ثم استوطن فيها... نشأ الدكتور أمين رويحة في اللاذقية نشأة صالحة وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، ثم انتقل إلى دمشق وأكمل تعليمه وأتقن اللغة التركية والفرنسية، ثم سافر إلى ألمانيا عام 1915 وكانت تركيا حليفة ألمانيا في ذلك الزمان واشتركت معها فيما يعرف بالحرب العالمية الأولى، فأمضى الدكتور رويحة مدة الحرب في ألمانيا وتخرج طبيباً من جامعة "برلين"، وعاش أربع سنوات متدرباً في مستشفيات فيينا وبرلين ثم تخرج متخصصاً في جراحة العظام من جامعة ميونيخ، وقد عقد العزم على العودة إلى سورية، فلم يسمح له الفرنسيون بذلك، فاختار السفر إلى مصر عام 1924، حيث أقام في مدينة الاسكندرية وافتتح عيادة طبية فيها.. وعمل طبيباً هناك، وما كاد نجمه يلمع كطبيب عربي ناجح حتى اندلعت الثورة السورية الكبرى في جبل العرب في صيف عام 1925، فقرر مغادرة الاسكندرية ملتحقاً بثورة جبل العرب، حاملاً معه ما أمكن من أدوات الجراحة والعقاقير الطبية، وهناك كان معروفاً عنه أنه يحمل المبضع الطبي بيد والبندقية باليد الأخرى، وقد عالج مئات الجرحى من الثوار وساهم في انقاذ الكثيرين منهم من الموت المحتم..
ثم لبى نداء ثوار غوطة دمشق فالتحق بهم، واشترك بعشرات المعارك هناك، خاصة مع مجموعات القائد فوزي القاوقجي، فالاثنان كما هو معروف بقيا يقاتلان حتى انتهاء العمليات الحربية أواخر عام 1927..
وقد اتخذ قراره بعد انتهاء الثورة في سورية بالعودة إلى مصر، و لما وصل الدكتور أمين إلى مصر قبل عرضاً بإدارة مستشفى الرشيد، ومارس عمله بنجاح باهر، وفي تلك الأيام مرُ بمصر ملك العراق فيصل الأول وهو في طريقه إلى أوربا، فطلبه لمقابلته، ولما تمت المقابلة مع الملك فيصل طلب منه السفر إلى العراق للحاجة اليه، وقبيل المغادرة تزوج الدكتور أمين رويحة بفتاة تعرّف عليها وأنجب منها في قادم الأيام ولداه فيصل ووليد، وهي أمرأة أبوها ايطالي الأصل وأمها أرمنية....
ولما سافر إلى العراق ووصلها صدر أمر وزاري باستلامه مديرية الصحة العسكرية، وقام بالخدمة على أكمل وجه وذاع صيته في العالم العربي، حيث لم تقم ثورة أو تنظيم عربي حديث، إلّا وكان الاتصال به أمراً حتمياً وعادياً. وهو من المؤسسين غير العراقيين لنادي المثنى في العراق عام 1935، وقد ساهم بجميع النشاطات القومية العربية خاصة ما يخصّ القضية الفلسطينية، وهنا بدأت تحاصره نظرات المسؤولين الذين تختلف اّراؤه عنهم وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، لاسيما بعد اشتراكه في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق وهو الذي أمر أن يوضع تحت الإقامة الجبرية في بغداد، بعد اعتقاله وذلك كنتيجة لفشل الثورة..
و لما مرض ولده فيصل في عينيه، قرر نقله إلى مصر على متن طائرة خاصة، و لكن الأمن العراقي تابعه وأخبر السلطات الانكليزية عنه، فلما مرت الطائرة فوق فلسطين أجبرتها السلطات الانكليزية على الهبوط ثم اعتقلوا الدكتور رويحة ونفوه الى روديسيا (زيمبابواي)، وبقي هناك في منفاه حتى عام 1947، ثم عاد الى سورية.. وبعد عودته إلى سورية بعدة أشهر بدأت قضية فلسطين بالتفاقم، فتفاعل الدكتور أمين رويحة مع أحداثها، ثم تطوع في جيش الإنقاذ، الذي قادة فوزي القاوقجي في فلسطين، وترأس الشؤون الصحية في هذا الجيش، و أنشأ مستشفى ميدانياً من 200 سرير في مدينة نابلس، و أبلى في معاركها البلاء الحسن خاصة معركة "ترشيحا" الذي أنقذ فيها عشرات الجرحى بمداواتهم و إنقاذهم من الأسر، حيث قام بنقلهم الى مستشفى "صور" اللبناني وهناك تابع علاجهم حتى تم شفاءهم ومن بعدها عاد إلى سورية.
و علاوة على ما يتميز به الدكتور من مكانة علمية طبية واجتماعية، فهور ذو رأي سياسي واضح حول حكومات ذلك الزمن، فمن تجربته في العراق وما يتجمع في ذاكرته حول مجمل الأحداث كان ضد التقارب مع حكومة العراق التي تربطها بالحكومة البريطانية معاهدة معروفة تجعل البريطانيين متحكمين بسياسة العراق الخارجية والحربية، ولذلك كان ضد سامي الحناوي وقيادات حزب الشعب السوري في سياستهم التي تدعو إلى التقارب مع حكومة العراق، وهكذا كان قريباً جداً من العقيد أديب الشيشكلي لذا شجعه على الإطاحة بسامي الحناوي ومشروع التقارب مع الحكومة العراقية والوصي على الملك عبد الإله..
ويتحدث المؤرخ أدهم اّل الجندي في كتابه "تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي" عن أن الدكتور أمين رويحة اتفق مع الشيشكلي على إعادة شكري القوتلي إلى الرئاسة إن استتب له الأمر، و لكنه لم يفعل فقام الدكتور رويحة بنشاط ضد الشيشكلي، فاعتقله و اتهمه بالاشتراك بمحاولة اغتياله وكاد يفتك به، لكن منعه من ذلك توسط الكثيرين من الداخل ومن الخارج، فأخلى سبيله في شهر أيار عام 1951.
بعد ذلك سافر الدكتور أمين رويحة الى المملكة العربية السعودية، حيث تم تكليفه بالشؤون الصحية للجيش السعودي، فقام بتأسيس مستشفى ضخم لم يكلف خزينة الدولة سوى 250 ألف ريال سعودي، فأخذ الجميع العجب، ولماذا العجب؟ فقد كان الدكتور رويحة نظيف اليد متابعاً لجميع المصاريف والتكاليف، ومراقباً جميع الصرفيات صغيرها وكبيرها: كالأدوية والأجور والمهمات والرواتب والمكافاّت والعلاوات... إلخ، ولكن ذوي الفعالية من السعوديين لم ترق لهم تصرفات الدكتور رويحة لأنه كان عائقاً جدياً في وجه الفساد ومعارضاً لأية مخالفة، فبدؤوا بالتضييق عليه مما أجبره على الاستقالة، ثم مغادرة السعودية والتوجه إلى لبنان، حيث اختار الإقامة في قرية "بحمانا" فاشترى أرضاً مساحتها 200 دونم، أشاد فيها بيتاً جميلاً لسكنه ومزرعة رائعة يضرب فيها المثل لجمالها وحسن زراعتها، وهو يعد من الخبراء المعدودين في دراسة الحشائش الطبية، وألف أكثر من عشرين مؤلفاً تزخر بها المكتبات العربية..
توفي الدكتور أمين رويحة في لبنان عام 1984، ودفن فيها رحمه الله وغفر له.
المراجع: -- الموسوعة الفلسطينية
- تاريخ الثورات السورية ( أدهم اّل الجندي )
- تاريخ الجيش العربي السوري ( المجلد الأول )