كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"بوران عربش".. روائيّة تنقل الواقع بأمانة

 

حسان ابراهيم- حمص- فينكس

اكتشفت "بوران عربش" أنَّ لديها الكثير لتكتبه، وأنَّ الكتابة هوسٌ وملَكَةٌ في داخلها سوفْ تخرج إلى العلن والنور مهما حاولت إخفاءَها، وقد ترجمت ذلك الأمر في روايتيها "شهيق وزفير" و"زحمة حُب".

"بوران عربش" شابّة ثلاثينيّة، غافلت رغبة عائلتها في السنة الأخيرة من دراستها الثانوية للفرع العلميّ لتلحقَ ميولها الأدبيّة التي لازمتها منذ مراحل دراستها الإعداديّة، ومرافقة شقيقها الأكبر منها سنَّاً إلى دروس اللَّغة العربية التي أحبَّتها، وبخاصّة حصَّة "التعبير الأدبيّ" التي كانت تشارك الطلبة بإنجازِ فروضهم المدرسيَّة فيها. وقد برعت بذلك كما شهدْ لها المدرِّس "يوسف أسطفان" في ذلك الوقت وفقْ قولها.

تلكْ المُيول ترجمتها "بوران عربش" من خلالِ كتابة الخواطر الأدبيّة والمُشاركة بها سرَّاً في منشورات صفحة "عبقر" الأدبيّة التي كانت تحتويها جريدة "العروبة" الورقيّة الصادرة في مدينة "حمص" ضمن صفحاتِها، وهيْ صفحةٌ خاصَّةٌ بمُشاركات الشباب الهواة من الشعر والخاطرة والقصَّة القصيرة جدّاً، ولم تكُن مشاركاتُها مُذيَّلة باسمها لمدة (٨) أعوامٍ خوفاً من ملامة العائلة، واستمرّ ذلك حتى عام 2000م.

ولعُها باللَّغة العربية كانَ بعكس تخصُّص دراستها الجامعيّة، فقد نالت شهادةَ (تأهيل وتخصُّص في تعليم اللَّغة الانكليزية) من "المعهد العالي للُّغات، ثمَّ نالت درجة الماجستير عام 2014، وتنقَّلت كمدرِّسةٍ بين جامعتي "الحواش" لمدّة عامين، وجامعة "القلمون" لمدة (٥) سنوات.

"خطوتُها الأولى"

أنجزت "بوران عربش" روايتَها الأولى التي حملت عنوان "شهيق زفير" عام 2019، وعنها تقول: «هيَ رواية واقعيّة بكلّ مجريات أحداثها، بل يمكنُ عدُّها روايةً توثيقية إلى حدٍّ ما، رصدت مرحلةٍ زمنيّة قاسية عاشتها مدينة مولدي "القصير" بدءاً من عام 2012، استرجعتُ فيها كلّ الذكريات الجميلة التي عشناها كمجموعٍ بشريّ فيها، إضافةً لذكرياتي الخاصّة بكلّ مراحل حياتي هناك، وذكريات النزوح إلى مدينة "حمص" مع عائلتي. كما ترصد الرواية مرحلة التفجيرات الإرهابيّة المؤلمة التي شهدتها المدينة، وخصوصاً تفجير السيّارة الذي وقعَ عندَ باب مدرسة "عكرمة المخزومي" للتعليم الأساسي، وصولاً إلى يوم إعلان تحرير حيّ "الحميدية".

هيَ روايةٌ حقيقيّةٌ بمّجمل تفاصيل أحداثِها، كونني اعتمدتُ شهاداتٍ حيَّةٍ لأشخاصٍ عاشوا ولامسوا الواقع كما هوَ عليه حينها، كما تعمَّدتُ بألّا تكونَ شخوصُ الرواية حقيقيّةً بأسمائها، كي يتسنّى إسقاطُها على كلِّ فردٍ منَّا، وفي كلّ زمنٍ قادم».

" الخطوة الثانية والغائبة"

وتكمل: «"زحمة حُب" هوَ عنوان روايتي الثانية التي وضعتُها بعد عامٍ من الرواية الأولى، وهي مُستقاةٌ من تجارب حياتيّةٍ حقيقيّةٍ ولأشخاصٍ حقيقيّين في الواقع، لكنّني ابتكرتُ بعضَ الشخصيَّات الخياليّة فيها، ومنها بطلة الرواية "وجد" ووالدها وبعضٌ ممّن حولها.

وتختلف هذه الرواية عن الأولى في أنّها تظهر مزيجَ التداعيات الأخلاقيّة والنفسيّة التي تركتها الحرب في واقعنا، وفي نفوسِ الكثيرين من أفراد المُجتمع، إضافةً لاستباحةِ كثيرٍ من الأمور التي كانت مرفوضةً من قِبَل المُجتمع، وما تزالُ كذلك لدى الغالبيّة من أفراده.

وما أردتُ إظهاره فيها هو كمُّ الأذى النفسيّ والأخلاقيّ والعاطفيّ الذي أصابَ شريحةً لا بأس بها من الأفراد، وكمُّ طمع النفس البشريّة سعياً لتحقيقِ مصالح آنيَّةٍ دون مراعاةٍ لضوابط الأخلاق وقِيمها المُتوارثة.

وتُظهِر أحداث الرواية حالات الندم التي يشعر بها الإنسان بعدَ ارتكابه لما هوَ عكس قناعاته، وانسياق البعض وراء نزواتهم وأطماعهم دون توقُّفٍ لمجرَّد أنَّ الحياة تستلزم ذلك وفقَ قناعاتهم المُكتسبة. ومن وجهة نظري هيَ روايةٌ تسبّب الجدل لدى القارئ، لما ستسبّبهُ من حالاتِ تعاطفٍ ذاتيةٍ مع شخصيّاتها، لكنّها ما تزال غائبةً عن أيدي القرَّاء لغايةِ يومنا هذا للأسف الشديد».

عربش داخلي

حازت "بوران" على الجائزة الثالثة ضمنَ مُسابقة "حنا مينه" للرواية التي نظَّمتها وزارة الثقافة عام 2020، وتحديداً في شهر تشرين الثاني منه، ورغم مُضيّ أكثر من عامٍ ونصفٍ على ذلك الحدث، والوعود التي أُعطِيَت من قِبَل المسؤولين في "الهيئة العامّة السوريّة للكتاب" - وهي الجهة المسؤولة عن عمليّة النشر والتوزيع – إلاَّ أنّ الرواية لم تُبصِر النور لغاية يومنا هذا، الأمر تكرَّر أيضاً في روايتها الأولى "شهيق زفير" التي بقيت مدَّة عامٍ كاملٍ قيد الطباعة والنشر لاحقاً وبكميَّاتٍ ضئيلةٍ، إضافةً لسوء التوزيع وضعف انتشاره.

وتسأل "بوران عربش": «الرواية قد تأخرها إصدارها كثيراً، هل سيكونُ وهجُ صدور الرواية ذاته فيما لو أبصرت النور بعد وقتٍ قليلٍ من نيلي الجائزة؟ هذه أسئلةٌ تراود كلَّ الكتَّاب الشباب الذين اختاروا الوزارة ملجأ لهم لعدمِ قدرتهم الماديَّة على نشرِ أعمالهم على نفقتهم الشخصيّة، والخضوع لإرادةِ دور النشر الخاصَّة وشروطها، والتي تبحث عن مكاسبها الماديَّة بالدرجة الأولى، وهذا حقٌّ لهم بالتأكيد، وكلُّ ما باستطاعتي فعله هوَ أن أبقى (أنتظر) كوني التزمت بشروط العقد».

" موروثٌ لأجيالٍ لاحقةٍ"

لدى سؤال "بوران عربش" عن وجهة نظرها بما يُطلَق عليه "أدب الواقع" أجابت: «دورنا كجيلٍ روائيٍ شابّ أن تكون نتاجاتُنا الأدبيّة - بما فيها الرواية – واقعيّةً، خصوصاً بعد كلّ ما شهدتهُ البلاد من حروبٍ وأحداثٍ مؤلمةٍ والتي تستمرّ تجلِّياتها القاسية حتى وقتنا الراهن، كي تكون قريبةً من مشاعر الناس، وتعكس همومهُم ومُعاناتهم، لتتركَ الصّدى المطلوب في نفوسهم، هذا ما يجب على الكاتب أن ينقلهُ من الظّلمة إلى النور، فالمشاعر الإنسانية لا يُمكن وصفُها بدقَّةٍ وإظهارها عبر الوسائل الإعلاميّة المعروفة.

إنّ روايةَ الواقع موروثٌ أدبيٌ يبقى صالحاً في كلّ الأزمنة ولأجيالٍ عديدةٍ لاحقة، لكونها تعتمد على أحداثٍ جرت حقيقةً، ولها امتدادات قد تقع في كلّ زمانٍ ومكانٍ، كما أنّ ورواية الواقع مسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق كاتبها».

"بوران عربش" من مواليد مدينة "القصير" في ريف محافظة "حمص" عام 1987، وقد سجَّلت اسمَها خلال فترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ كواحدةٍ من الروائيّات السُّوريّات.