كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"ريمة راعي" ووصفاتها السرية في عالم الكتابة

رانية قادوس – اللاذقية - فينكس

"ريمة راعي" كاتبة وصحفية سورية من مواليد اللاذقية 1978، عملت محررةً ومراسلة في جريدتي "الوطن" السورية و"الأخبار" اللبنانية، وفي قناتي "سما" و"الدنيا" الفضائيتين، ثم تركت العمل الإعلامي واتجهت إلى عالم الكتابة والأدب، فصدر لها ثلاث مجموعات قصصية هي و"أخيرا ابتسم العالم"، "القمر لا يكتمل"، و"شرفة فاطمة"، وخمس روايات هي "بائعة الكلمات"، و"أحضان مالحة" و"نصف قطعة شوكولا" و"مئة عام قبل الخاتم"، ورواية "وصفات سرية" التي فازت مؤخراً بالمرتبة الثانية لجائزة "قاسم سليماني" العالمية للأدب المقاوم.

منصة "فينكس" التقت الكاتبة "ريمة راعي" بتاريخ 20 / 1/ 2022 وأجرت معها الحوار التالي:

بدايةً ما الذي شدّك إلى عالم الأدب؟ لماذا أرادت "ريمة" أن تكتب ولمن؟ وماذا أرادت أن تقول؟

أعتقد أن أي إجابة عن هذه الأسئلة ستكون مخترعة وغير حقيقية، بالنسبة لي الكتابة هي شأن من شؤون القدر، مهمتها تحديد المكان الخاص بي في هذا العالم، إذ كان من الممكن أن أكون طباخة تملك وصفات سرية، أوكتاب ريما الراعي ساحرة، أو حتى مجرد امرأة تتولى العناية بحديقة أو شخص أو مكان، كانت هناك طرق كثيرة كي أجرب وأفهم، لكن قدري كان الكتابة، وكل ما أريد أن أقوله من خلالها إن الحب هو المنقذ.

هل أثر عملك الصحفي في انتقاء تفاصيل الحياة المهمة بالنسبة لك، والإلمام بالقضايا التي تهم الناس وتوجعهم؟

دائماً أقول إن الصحافة كانت بساط الريح الذي حملني إلى عالم الكتابة، وخلال عملي بها تعلمت الإنصات بإخلاص، وتدربت على الدقة، وأدركت بذهول متجدد أن لكل حكاية وجهان، علاوةً على تعلمي الفضول تجاه الآخر، والتزامي بعدم المرور أمام أحداث الحياة دون اكتراث وتعاطف، وأستطيع القول إن جزءاً لا بأس به من تجربتي الصحفية استخدمته في روايتي.

الوصفة السحرية في جميع كتاباتك تستقي من نبع الحب الذي تتخذينه كتعويذة عجيبة للحياة، لماذا التركيز الدائم على هذه الفكرة؟ ألا تؤدي بك إلى التكرار والتشابه في المقولة الوحيدة في كل عمل روائي؟

الخيميائيون في العصور الوسطى كانوا يبحثون عن "حجر الفلاسفة الأسطوري" كي يستخدمونه في تحويل المعادن البخسة إلى ثمينة، وفشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، ثم جاء خيميائيون جدد، وأدركوا بعد رحلة روحية طويلة أن حجر الفلاسفة الحقيقي القادر على تحويل البخس إلى ثمين هو الحب، ووصفوه بأنه المعرفة المطلقة، لهذا أعتبر الحب جوهر تجربتنا على هذه الأرض.

المرأة في معظم كتاباتك هي البطلة، وكأنك ترينها القائد الذي يدير دفة القيادة في الحياة، كيف ترين دور الأنثى في الحياة؟ وهل برأيك دورها أهم من دور الرجل؟

ليس فقط في الروايات، بل كذلك في واقعي الشخصي، المرأة هي الأكثر تأثيراً في حياتي، أحب عاطفتها وحضورها الدافئ، ورغبتها الدائمة في العناية بشخص ما، أحبها حين تطهو وتنثر التوابل، كما لو كانت تنثر مكونات تعويذة حب، وحين تحب وتغلق بوابة العالم وراء رجلها، وحين تفشل في الحب، فتبكي كما لو أنها فقدت الرجل الأخير على الأرض، ثم تعود من جديد لتحب بالجموح ذاته كأنها لم تخذل من قبل، أعتقد أن المرأة هي أجمل وأقوى مخلوقات الله، لكنها أحياناً تنسى أنها في زمن ما كانت إلهةً تُقدّم لها القرابين، تمنح الحياة والخصب والوفرة.

كيف هي علاقة "ريمة" بالرجل؟ وكيف تجسدينه في كتاباتك؟ ومن هو رجلك المفضل؟

علاقتي بالرجل بدأت بعلاقتي ببذّة أبي العسكريّة، وبلونها الزيتي الدافئ، وبظلّه الطويل القادر على حمايتي من عواصف الحياة، وأظن أنني أجسّد الرجل على الورق بذات الشوق والتقديس والحب، أمّا رجلي المفضل فهو الناجحريمة الراعي والتكريم والشجاع المتصالح مع الحياة، ومن يأسر روحي ومن يملك قلب أب.

"ريمة" تشاكس الحياة، تقامر بها، مرة تداعبها، ومرة تجاريها وأخرى تعاندها، ثم تعود فتتغزل بها لتلاطفها وتعشقها بجنون، لك فلسفة خاصة مع الحياة، ما الشيفرة السرية بينكما؟ وكيف تترجمين وجودك فيها؟ وكيف تتلقين مكاسبها وآلامها؟ ماذا دفعت لها؟ وماذا قدمت لك؟

أعامل الحياة على أنها أنثى مثلي، تحب من يحبها ويثق بكونها جميلة حتى في أسوأ حالاتها، ويتحلّى بالصبر الجميل أمام نزقها، ولا يتردد حين تناديه كي يشاركها المغامرة، ولعل كلمة السر بيني وبينها هي (أثق بك)، والمقابل أشهد بأن الحياة كانت كريمة معي دائماً، وكرمها الثمين كان حين وضعتني في تجارب علمتني القبول والتسليم، وجعلتني أفهم نفسي، وبالتالي أفهم الآخر وأتعاطف معه.

هل كتبت رواية العمر أم أنت في حالة بحث مستمرة عن الرواية الاستثنائية التي تطمحين إليها، والتي ستحمل معها جوهر قضاياك وقناعاتك وأفكارك وخلاصة تجاربك في الحياة؟

الكتابة بالنسبة لي هي فعل بساطة ويسر، أراقب حدوثه بطمأنينة وسلام، ولا أتعامل معه بقلقي البشري الذي قد أتعامل به مع بقية أشياء الحياة التي تخصني، وبالتالي كل رواية أكتبها تشبه غيمة، لا يمكن التنبؤ بمكان هطول مطرها، أو بمصير البذور التي ستنمو وتتحول إلى شيء أخضر (زهرة أو شجرة أو حتى غابة، من يدري)؟

مؤخراً كتبت عن المقاومة ونلت جائزة "سليماني" العالمية للأدب المقاوم، حدثينا عن هذا التوجه، وعن أهمية هذه الجائزة، وعنحفل ريما الراعي روايتك الفائزة "وصفات سرية" ماذا أخبرت قراءك من خلالها؟ وماذا كانت هذه الوصفات السرية التي أذهلت لجنة التحكيم، وأهلتك للفوز بالمرتبة الثانية؟

الحفل واستلام الجائزة كان في العاصمة "بيروت" بتاريخ 12/ 1/ 2022، وأعتبر فوزي بجائزة تحمل اسم هذا القائد العظيم بمثابة إعلان عن اعتزازي بالانتماء إلى محور المقاومة، وإلى هذا الفكر الملتزم بالدفاع عن العدالة وعن الإنسان وكرامته، أما توجّهي للكتابة عن المقاومة، فقد كان وليد زيارة قمت بها إلى "إقليم التفاح" في جنوب "لبنان"، استمعت خلالها إلى حكايات الجنوبيين عن بدايات الاحتلال الاسرائيلي، وعن الطلقات الأولى في المقاومة، وعن الإيمان بالنصر الموعود الذي لم يتأخر، وعدت من هناك بقلب جديد سكنه حب تلك القلوب العاشقة لله وللأرض.

أما روايتي “وصفات سرية" فهي حكاية امرأة اسمها "حبيبة"، ترث وصفات طبخ سرية عن أمها، وتستخدمها لعلاج شعورها بالوحدة وآلام القلب، بعد هروبها من قريتها إبان هجوم التكفيريين عليها، ثم تكتشف أن بإمكان هذه الوصفات أن تكون رسائل تسلم باليد، تحمل رائحة البيوت ودموع الأمهات والكثير من الحب، وتجد بذلك طريقتها الخاصة في المقاومة.