كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ذكرى شخصية علمانية مؤمنة.. من هو فرانسيس فندرلخت؟

د. إليان مسعد- فينكس

حياته و استشهاده في سوريا
الأب فرانسيس فاندرلخت أب يسوعي يحمل الجنسية الهولندية والسورية، ولد في هولندا 10/4/1938، وانتقل مع عائلته إلى امستردام عندما أصبح والده مديراً للبنك المركزي. درس كل مراحل حياته في مدارس يسوعية حتى حاز على إجازة علم النفس والفلسفة.
أول زيارة له إلى سوريا و لبنان وحمص كانت في عام 1964، و تعلم اللغة العربية في بكفيا في لبنان. تعلمها بدقة بتفاصيلها، كتبها و قرأها لكن بقيت لهجته "مكسرة" حتى النهاية و أصبحت طريقة كلامه من صفاته المميزة.
رُسم كاهناً في في هولندا عام 1971 وحصل على دكتوراه Phd في علم النفس "حياة الكهنة المتزوجين" من مدينة ليون في فرنسا.
عُين كاهناً في سوريا عام 1972، عاش تلك الفترة متنقلاً بين عدة مدن سوريا. ما بين عام 1976 و 1979 عاش في حلب، و ما بين عام 1980 و 1987 استقر نهائياً في حمص و ذلك بعد أن عاد إلى هولندا عام 1980 و حصل على إجازة في التحليل النفسي. و عاش في دمشق ما بين عام 1987 و 1993، و في النهاية عاد و استقر في ديره في حمص الحميدية بستان الديوان دير الآباء اليسوعيين عام 1993. عاش في غرفة من الدير تحوي على فراش على الأرض و عدد هائل من الكتب.
ألوانه المفضلة الأحمر، البرتقالي و الأصفر، و من المأكولات يحب السمك و الكبة النية مع العرق البلدي.
ما قام به الأب فرانس في سوريا لا يعد لا يحصى لكن من أهم انجازاته في سوريا:
-"الأرض" أو ما يحب تسميته "مملكة الفرح" و هي جنة صغيرة على أرض سوريا على طريق ربلة و القصير تبعد عن مدينة حمص 23 كم تحوي على مدرسة لذوي الحاجات الخاصة، معملاً للنبيذ الفرنسي، معملاً لصناعة الفخار، و تحوي عرائش عنب و أشجار زيتون و العديد من دنمات أشجار الفواكه الموسمية. و حوت أيضا على مصلى من الحجر الأسود، مُرحباً بجميع الديانات لتتشارك صلاتها به. و هي كانت حتى اللحظة الأخيرة الرسالة الأهم للأب فرانس، الوحدة والعيش المشترك في سوريا.
قبل الحرب استقبل الأب فرانسيس في "الأرض" عدداً كبيراً من الناس مارسوا الرياضة الروحية و الصلوات، واستقبل مختلف الرحلات والنشاطات.
و أثناء الحرب أيضاً استقبلت الأرض عدداً كبيراً من اللاجئين (نساء و أطفال) آوتهم و أطعمتهم و كان الأب فرانس لهم سنداً و داعماً مع فريقه من المتطوعين.
-"أخوية دير اليسوعية للأب فرانسيس" قام الأب فرانس بالعمل مع أخوية الكنيسة و شاركهم بكفاة نشاطاتهم (رياضات روحية، مخيمات، رحلات، أيام دينية، و حتى في اجتماعات فرقهم الأسبوعية) و كان معهم بشكر يومي و حياتي. تراوحت أعمار الفرق بين الطفولة و الشباب و المراهقة و من الفرق (الأرض، الكاميلوت، و فرقة فيلوصوفيا) قامت كل فرقة بإطلاق اسمها على نفسها، وعاش معهم الأب فرانس تجربة سنين طويلة ومعرفة عميقة وشخصية مع كل فرد من أفرادها، وكل شخص دخل دير اليسوعيين يوماً بالعديد من اللقاءات والمناقشات استمع إليهم وأسمعهم، مع وجود لجنة مسؤولة عن النشاطات كافة قامت بحمل أعباء و مسؤوليات "الأخوية".
-"المسير" وهو السير على الأقدام. من أهم النشاطات التي قام بها الأب فرانس و أصبح تابعاً للاتحاد الرياضي ومعترفاً به. هدف المسير إلى جمع الشعب السوري من كل أطيافه و فئاته للتعرف على سوريا سيراً على الأقدام للتعرف على طبيعتها و قراها النائية. و لم يخل "المسير" من محاضرات و مناقشات روحية و اجتماعية قادها الأب فرانس.. حاضر و أصغى و نصح، و طبعاً كان في الخط الأول من المسير على الرغم من عمره. ويقول
"أبحث دائما عن الحقيقة للتواصل معها, دون الوصول".
- قام الأب فرانسبس فاندرلخت بكتابة عدد من المنشورات وأصدر 3 كتب: "من أنت أيها الحب؟"، "الإصغاء والحب"، "من الفشل إلى النجاح".
- وحين بدأ الحصار على حمص القديمة و اختار البعض من أهلها البقاء، لم يخف ولم يترك رعيته بل بقي في كنيسته حتى الرمق الأخير، بقي مع من بقى يواسيهم و يصلي و يعيش معهم. عاش معهم الجوع و العطش و قلة الدواء تحت رحمة من استلم السلطة داخل حمص القديمة من المجموعات الارهابية الذين اعتقلوه وعذبوه عدة مرات.
عُرف بعلاقاته الجيدة مع الناس فهو لا يميز بين مسيحي و مسلم لذلك حظي بحب وتقدير الجميع. رفض الخروج قبل فك الحصار، وسعى جاهداً للصلح و التسامح بين جميع الأطراف.
-قام شاب ملثم بقتله داخل حمص القديمة بعد تعذيبه و في بيته "الدير" في الساعة العاشرة إلّا ربع تقريباً من صباح 7\4\2014 و دفن، بناء على طلبه، في اليوم التالي في حديقة الدير، مكانه المفضل للقراءة و شرب الشاي، في البيت القديم أمام مطبخ الأباء.
الأب فرانسيس فاندرلخت 1937- 2014 كان رسول حقيقي لمعلمه السيد المسيح على الأرض، وهو مثال للتسامح والحب والتواصل وعدم التفرقة وتقبل الأخر. فهو لم يكن فقط محاضراً، فحياته البسيطة المتقشفة و تنقله الدائم على دراجته الهوائية كان قدوة حقيقية، ما ميّزه عن الجميع. رسالته في الوصول إلى الله و الأخر عبر الصمت والإصغاء والمحبة وصلت للعديد من الناس وستبقى حية في قلوب الكثيرين وسنتتشر من خلالهم..
الأب فرانسيس سيبقى ذكرك مؤبداً و دائماً.
تم الاستعانة بمنشور (اليوبيل الذهبي للأب فرانس الأرض 11\9\2009) بعدد من المعلومات و التواريخ.