كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ما الذي يعنيه التقارب السعودي السوري الآن؟

د. خيام الزعبي- فينكس

إن غياب سورية عن أشقائها قد طال، وحان الوقت الى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي، وأن تطوي الدول صفحة الخلاف ونبذ الفرقة، بعيداً عن الانقسامات التي يشهدها النظام العربي، ومن هنا عينت الرياض "فيصل بن سعود المجفل"، سفيراً لها في سورية لأول مرة منذ 12 عاماً في خطوة أخذت صداها في التحليلات العربية والغربية، ولم يكن قرار الرياض استئناف علاقاتها مع دمشق وليد اللحظات الأخيرة، بل سبقته سلسلة إشارات؛ بدءاً بزيارات لشخصيات سورية مقرّبة من الرئاسة السورية إلى السعودية، مروراً بتصريحات صدرت عن مسؤولين رفيعي المستوى في دمشق والرياض، وصولاً إلى قرار عودة العلاقات الدبلوماسية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف يؤثر التقارب بين سورية والسعودية على الأوضاع في المنطقة، وما هي دوافع التقارب لدى كلا الطرفين؟

إن عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط وهما سورية والسعودية بكل تأكيد يخدم مصالح الدولتين، وينعكس إيجابياً بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة،  كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.

فتشكل عودة العلاقات السورية مع السعودية، بوابة للعبور إلى "الحضن العربي" من جديد، وبمثابة مكسب اقتصادي كبير لها، سيسمح لها بتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية وتجارية، مع عدد كبير من الدول العربية، وتفعيل عمليات العبور البري، التي يُفترض أن تعود بإيرادات مالية على خزينتها، التي تعاني أزمة حادة في السيولة منذ عام 2011.

كما تدرك السعودية جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقفها وإعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة معها، تنبع أهمية عودة العلاقات بين البلدين من أجل مكافحة الإرهاب، وكذلك المصالح المشتركة للشعبين كما تؤكد أن السعودية يجب أن تقوم بدورها الوطني وأن تكون في صف سورية ضد الإرهاب لا شريكة في المؤامرة عليها، فالسعودية تشترك مع سورية في مواجهة التهديد الإرهابي باعتبارهما "في جبهة واحدة"، وأنه من مصلحة الحكومة السعودية التعاون مع الحكومة السورية في مقاومة الإرهاب وتحصين أمن البلدين في مواجهته، وبالنتيجة فإن عودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي سيؤدي إلى إثارة غضب أعداء سورية، الذين رحبوا سابقاً بضعف العلاقات بين الجهتين من أجل تحقيق مشروعهما في المنطقة.

في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.

وإني على يقين إن إعادة العلاقات"سورية والسعودية" تمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للطرفين، فهما طرفان يتكامل فيما بينها، على الأقل إقتصادياً، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن إلى جانب أنه سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحال من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.

مجملاً، لقد آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا الكبير "سورية" نحو المستقبل الزاهر، وبالتالي فإن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً بعد عودة العلاقات السعودية السورية الى مجاريها، ما يعني نتائج جديدة ربما تكون إيجابية لبعض دول الاقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية.

بإختصار شديد، أنه يجب أن تبقى دمشق والرياض على وئام ووفاق إنطلاقاً من إستيعاب دروس التاريخ أنه كلما كانت سورية والسعودية في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين فإن ذلك يحقق الأمن والاستقرار للمنطقة.

وأختم بالقول، إن عودة العلاقات بين سورية والسعودية سيشكل صفعة جديدة للأعداء وهو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات وعاملاً أساسياً  في قيادة الدفة العربية مع نهوض دمشق من جديد والتي ستكون الصخرة التي تتحطم عليها أطماع القوى الإستعمارية.