كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إنهم فلسطينيون.. "إنهم ليسوا أرقاماً"

فريدة العاطفي- فينكس*

 وجدته شاباً مليئاً بالحياة.. مليئاً بالطموح والأحلام... والروح المسافرة بعيداً على أجنحة الحرية.. بوعي سياسي يتجاوز سنواته العشرين... رغم أنه جاء من واقع يقال عنه محاصر ومحافظ... يبدو أن الأمكنة الضيقة تخلق أحياناً أرواحاً تحضن الكون كاملاً بين أضلعها.... والحياة كاملة سراً تحت الوسادة.

هو شاب من غزة... خرج منها شهوراً قليلة قبل الحرب... تحدثت معه البارحة بتركيز واهتمام ودهشة... حديثاً مطولاً عن الحياة بكاملها... عن الأوطان والأسفار.. والحرب أيضاً.

بعد هذا الحديث بفترة قصيرة... قرأت على صفحة الفايس للشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة، بأن ابن خالها قتلته إسرائيل وهو يبحث بين المساعدات عن كيس دقيق... فكرت وانا اقرأ الخبر، ان هذا الشاب الذي قتل وهو يبحث عن كيس دقيق.. ربما كان يشبه الشاب الفلسطينبي الذي تحدثت معه... ربما كان ذكياً، لماحاً وشفافاً مثله، ربما كان مثله عاشقاً للحياة وصخبها، ورغم الواقع المحاصر يحمل الكون مع باقة ورد في قلبه... ويمضي غبر عابئ بالرصاص، ربما كان حراً أكثر من كثيرين يتمتعون بالمشي في الشوارع الواسعة... ربما كان مليئاً بالأحلام ...وقريباً من الشمس والقمر في أمنياته مثل الشاب الذي تحدثت
معه...ربما..وربما.. هي مجرد مقارنة جعلتني أرى بعمق مرة أخرى معنى جملة: "إنهم ليسوا أرقاماً"... بل إنهم حيوات مليئة بالاحلام والارواح المتوقدة الجميلة... إنهم امتداد لوهج انساني... تليق بهم الحياة... ويليق بهم الحلم... ويستحقون أن تحضن أجسادهم المرتعشة جوعاً وعطشاً وبرداً وهلعاً شموس وأقمار وبحاراً وكوناً أكثر إنسانية وكرماً وعدالة.
تذكروا إنهم ليسوا أرقاماً... هم أرواح... كان من الممكن جداً أن نكون مكانها أو نعيش ما تعيشه... وفي دفاعنا عنها ندافع عن جزء من إنسانيتنا... وعن قيم جميلة على الأرض مثل العدل والحق والحرية.
فسلام على من استشهدوا منهم... وعلى من مازالوا على قيد الحياة يمدون أكفهم لنا... وهم يطالبون العالم بحقهم في الحياة... فهل من مجيب؟
*كاتبة مغربية مقيمة في فرنسا