كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نصر شمالي وعدنان عمران وفؤاد بلاط.. موقف وذكرى

نصر شمالي- فينكس

 مرة أخرى وأخرى سأتحدث على سجيتي حتى لو أخطأت في تقييمي للغير، وحتى لو ظهرت كأنني أمتدح نفسي.. فأقول: في أي زمان، ومهما ساءت الأحوال العامة عموما فإن البلاد لا تخلو من شخصيات عامة طيبة نافعة، من ذلك النوع الذي لا يخاصم مسؤولاً نافذاً يستحق الخصام، بل يجامله، لكنه لا ينافقه، وفي المقابل تراه يحترم من يستحق الاحترام ويكرمه حتى لو كان معارضاً مغضوباً عليه من السلطات!
وإن وجود مثل هذه الشخصيات الفعالة الطيبة الكريمة المسالمة ضروري، فهو يخفف كثيراً من أهوال الحياة وفظائعها عن الكثيرين من الذين يستحقون التخفيف عنهم، وعلى هذا الأساس فهم شخصيات تستحق التقدير والشكر، ومن هؤلاء أذكر الإعلامي الراحل والصديق الوفي الأستاذ فؤاد بلاط أبو عمر (1940-2021) من أهالي بلدة الميادين في محافظة دير الزور، وقد كان يزورني في مكتبي الخاص بدمشق في الثمانينيات والتسعينيات، ويقول لي تكرارا: "ابتعدت فخسرك الأدب روائياً وشاعراً وخسرك الإعلام صحافياً وكاتباً، والعمر يمضي ويكاد ينتهي، وأنا لن أتركك حتى تعود"!
وفؤاد كان جاداً وصريحاً في دعوته إياي للعمل رغم معرفته بآرائي وقناعاتي الثابتة، وبأن في السلطات العليا من لا يقبل وجودي ويعتبرني عدواً خطيراً..
وهكذا، عندما تسلم فؤاد مهام معاون وزير الإعلام في العام 2001 نجح في إقناعي بأن أتولي عملاً إعلامياً ما، فقبلت أن أكون مديراً لمعهد الإعداد الإعلامي (عملت فيه من2001 إلى 2003).
لماذا المعهد؟.. قلت لنفسي: "إن جهدي في المعهد سوف يتجه إلى "تحت" إلى حيث القاعدة من الإعلاميين وليس إلى "فوق" إلى حيث السلطات"!
وفي تلك الفترة تسلم مهام وزارة الإعلام السفير الأستاذ عدنان عمران (من مواليد العام 1934 أمد الله في عمره) وهو كان صديقاً لفؤاد بلاط وشبيهه في التعامل الإيجابي مع الناس عموماً حتى لو كانوا معارضين..
ويوم استلامي عملي توجهت إلى حيث قالوا لي أنه "معهد الإعداد الإعلامي" خلف مشفى المواساة، فلم أجد أثراً لمعهد حقيقي بل وجدت، باختصار، داراً شبه عربية واسعة مكونة من أركان متعددة فالتة مشتتة تعمها الفوضى، فكان أن أسرعت على الفور أستعير قاعة محاضرات وغرفة إدارة في مبنى اتحاد الإذاعات العربية الكبير التابع لجامعة الدول العربية (وقد كان مدير الاتحاد الفنان التشكيلي الطيب الذكر الراحل حيدر يازجي)، وانطلقت برامج ودورات "معهدنا الإعلامي" المستعار على الفور..
لقد كانت حقيبتي هي مكتبي، وكان فيها كل ما أحتاج إليه، حتى أن فيها ما كان يغنيني عن الموظفين لو افتقدت الموظفين.. وقد افتقدتهم فعلا!
ومن جهة أخرى بدأت السعي الدؤوب لتوفير مكان مناسب لمعهد حقيقي، وتحقق ذلك فعلا خلال عام، وانتقلنا إليه.. وفي ما بعد، بعد أن انتهى عملنا في الإعلام نحن الثلاثة.
وفي جمع من الشخصيات العربية في الجزائر، عانقني الأستاذ عدنان عمران وقال يخاطبهم وهو يشير إلي: "أترون هذا الرجل؟ هو يصنع شيئاً من لا شيء.. أقام معهداً إعلامياً لائقاً من الصفر.. من لا شيء.. بجهوده.. ونجح.. ونحن كوزارة إعلام لم نقدم له أية مساعدة..!".. الشكر والتقدير للأستاذ المنصف عدنان عمران.. والذكر الطيب والرحمة للصديق الراحل فؤاد بلاط.
- من اليمين عدنان عمران، نصر شمالي، وفؤاد بلاط، عام 2002 في قاعة المحاضرات في المعهد.