كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الزمن العربي.. والأمن العربي

أحمد غانم:

رحلة واحدة كانت كافية لاكتشاف هذين الأمرين.
ففي عام 1987 وكنا وفداً تربوياً رسمياً مؤلفاً من ثمانية أشخاص متجهين إلى السودان. وخلال أيام قليلة امتلكت وعياً حداثياً بهذين الأمرين عند العرب.
لنبدأ بالأمن العربي: حطت طائرتنا في مطار جدة. وللحقيقة يمكن أن يطلق عليه مدينة. وكان هناك طائرات أخرى تقل مسافرين من عدد كبير من الجنسيات. نزلنا من الطائرة فتم عزلنا و أحاط بنا أربعة مسلحين من الأمام والخلف وعلى الجانبين. تطلعنا إلى الناس الآخرين فلم نجد مثل هذا الإجراء تجاه الاجانب أو أي مسافرين آخرين. تساءلنا فيما بيننا: لم هذا الإجراء؟ هل لأننا وفد رسمي لحمايتنا؟ أم لأننا سوريين خشية منا؟ وكنت أنا من وضع الاحتمال الثاني. سألت احد المسلحين لنتبين أي الاحتمالين هو الصحيح: لم هذا الاجراء؟ لم يجب. عبس ولم يتول بل تمتم بلغة لم أفهمها. إلّا أنه عبر بملامحه القاسية أن علينا الانصياع لا أكثر. وكانت دهشتنا حين علمنا أخيراً أن هؤلاء المسلحين هم أربعة فلبينيين مكلفين بحراستنا ليس لحمايتنا بل خشية منا الى أن يحين موعد طائرتنا التالية الى الخرطوم! ضحكت ساخراً وبصوت عال صرخت: كيف يمكن أن يكون الفلبيني حامياً للسعودي من مسافرين سوريين؟ إلى أن أسكتني بكل لطف وخوفاً من العواقب المرحوم الأستاذ محمود عصام ميداني وكان أكبرنا سناً في الوفد.
وقد أكدت طريقة التعامل معنا والتي أقل ما يقال عنها أنها غير متحضرة بل ومستفزة أنني كنت على حق، وقد اقتنع من معي جميعهم بصوابية تفسيري إلّا أن بعضهم عاب عليّ عبارات "الكفر والشتائم" في أرض "مقددسسة" (تكرار الأحرف هنا ليس سهواً أو خطأ).
أما عن الزمن العربي: فقد لخصه لي أحد مرافقينا السودانيين وكان معاون الوزير المركزي، فقد كان هناك ثلاث وزارات للتربية والتعليم العالي وزير مركزي في الخرطوم ووزير ثان في الإقليم الاوسط وثالث في الإقليم الجنوبي.
فبعد أن حطت الطائرة الأردنية التي أقلتنا من جدة الى الخرطوم استقبلنا السودانيون بحفاوة. وقمنا بزيارة مدارس ومعاهد والجامعة ومعهد البحوث في بخت الرضا جاء دور زيارتنا للإقليم الاوسط وعاصمته (واد مدني. وتعني ولد أو ابن مدني). وكون الطريق طويل يمتد لمئات الكيلو مترات في أراض تربتها من أخصب بقاع العالم على الاطلاق. انطلق موكب السيارات وكنت في السيارة برفقة معاون الوزير وتحدثنا عن موضوعات كثيرة ومتشعبة إلى أن سألته عن مفهوم الزمن لديهم. وكانت المفاجأة أن إجابته كانت أبلغ تعبير سمعته ولخص مفهوم الزمن لدى العرب. قال: سألخص لك مفهومنا للزمن "يقول الواحد لصديقه نلتقي في المقهى الساعة الخامسة أنتظرك حتى السادسة فإن لم تأت في السابعة سأنصرف في الثامنة".
ضحكت وضحكنا كثيراً من حالنا. ومازلت أضحك كلما تذكرت هذا التلخيص الجميل لسمة من أقبح السمات لدينا نحن العرب... وما أكثرها.
ملاحظة: السودانيون على العموم طيبون ودودون لا تحتاج لأكثر من أيام قليلة حتى تشعر أنك تعيش في حيك الذي ولدت فيه أو قريتك.
ملاحظة ثانية: كوني لا أجيد اللغة الفلبينية فاني وجدت ان الفلبينيين وخاصة هؤلاء في السعودية يجيدون حمل الأسلحة. وكنت أود أن أتعرف على أحد السعوديين إلّا أن المسلحين حالوا دون ذلك.