كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

دراما جيوسياسية عميقة ومثيرة

أحمد رفعت يوسف- فينكس

لايزال العالم، يترقب نوع ومكان وزمان الرد الإيراني، على العدوان الإسرائيلي. على القنصلية الإيرانية في دمشق.
العملية الإيرانية، التي سيطرت فيها وحدات من الحرس الثوري، على سفينة إسرائيلة في مضيق هرمز، ليست الرد الايراني، على العدوان على القنصلية، إلا في حال تبين وجود هدف كبير داخل السفينة، يمكن أن يوازي العدوان على القنصلية، أو إذا تبين أن إيران، حصلت على ثمن كبير، له علاقة بالوضع في فلسطين المحتلة، وفي الصراع في المنطقة، يمكن أن تراه بديلا عن عملية عسكرية، ضد أهداف إسرائيلية.
أيا كان المسار الذي ستاخذه الأحداث، فايران ومعها محور المقاومة، حققت مكاسب استراتيجية كبيرة، حتى لو لم تقم برد عسكري مباشر.
فحكومة العدو الصهيوني، فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي من العدوان، على القنصلية، بجر الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مواجهة مباشرة مع إيران، ترى فيها المنقذ الوحيد لمأزقها الوجودي في غزة، حيث سارعت واشنطن، لتأكيد عدم علاقتها بالعدوان، وأنها لن تشارك في عملية ضد إيران، وكان ردها خجولا، بأنها ستعمل على منع وصول القذائف الإيرانية، إلى الكيان الصهيوني "اذا تمكنت" فيما سارعت بريطانيا والدول الأوروبية، للاعلان بأنها لن تشارك في أي عمل ضد إيران، وحتى دول من أدوات امريكا، مثل تركيا وقطر والكويت، أعلنت أنها لن تقبل باستخدام أراضيها للعدوان على ايران.
وبانتظار الرد الإيراني، تقف القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، والمجتمع الإسرائيلي، على "رجل واحدة" هذه المرة، والقلق والخوف والشعور بالهزيمة يسيطر على الجميع، والشلل التام يسيطر على كل المجلات الحيوية داخله، والكل يؤكد فشلهم في تحقيق غايتهم من العدوان. وان حكومة نتنياهو، أخطأت خطأ استراتيجيا، سيعمق من أزمتها الوجودية.
في المقابل.. هذه الصورة بالتأكيد تسر القيادة الإيرانية، ويسهٌل عليها خوض معركة أعصاب، وصراع ارادات، مع الكيان الصهيوني، وهي ترى هذا التخبط والرعب، الذي يسود المجتمع الإسرائيلي وقيادته، وهذا يجعلها غير مستعجلة على الرد، ومن مصلحتها استنزاف صبر العدو الصهيوني، وتعميق خساراته، قبل أن تطلق طلقة واحدة..
وبانتظار الرد الإيراني، أيا تكن طبيعته، تبدو أطراف محور المقاومة، جاهزة لما تقرره غرفة عملياتها، سواء للمشاركة، او الرد على اي تصعيد اسرائيلي او امريكي.
ولان الخطيئة الاسرائيلية، تاخذ الطابع الإستراتيجي، فان تداعياتها ستكون كبيرة، على الوضع في فلسطين المحتلة، وعلى مسار الصراع مع تحالف العدوان بشكل عام.
ما يجري ثبت عدة حقائق..
الاولى.. حالة الضعف التي تأكدت داخل الكيان الاسرائيلي، والتي وضعته على حافة الانهيار، لولا عملية الإنقاذ السريعة، التي امنتها له الولايات المتحدة ومنظومتها الاستعمارية، لكن حتى هذه المساعدات، تبدو محدودة في قدرتها، على تأمين الحماية الكاملة لهذا الكيان، وبما يضمن له الاستمرار في المنطقة.
الثانية.. تراجع القدرة الأمريكية، على تنفيذ مخططاتها ومشاريعها في المنطقة، خاصة وأن أي تورط أمريكي أكبر، سيضعها أمام خسارة استراتيجية، لموقعها ومكانتها في المنطقة والعالم، وفي ساحات الاشتباك الأخرى، وتحديدا مع الروسي في أوكرانيا، وفي صراعها مع الصين، على قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية.
الثالثة.. أن محور المقاومة، يراكم انتصاراته ونقاطه، في هذا الصراع مع تحالف العدوان الأمريكي الصهيوني، وهو ما سيشكل في النهاية، حالة انتصار كبرى، ستغير الخريطة الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
نستطيع التأكيد، أن ما يجري، أبعد بكثير من ساحة الاشتباك في فلسطين المحتلة، ليطال كل الساحات في المنطقة والعالم، وسيسرع من عملية الانتقال من مرحلة القطب الواحد، برأسه الأمريكي، إلى العالم المتعدد الأقطاب، والذي يعني انتهاء سيطرة المنظومة الأمريكية الغربية، على السياسات والاقتصاديات العالمية، مع ما يعني ذلك، من تغيرات عميقة، في الخرائط الجيوسياسية في المنطقة والعالم، سينتج عنها انهيار أمبراطوريات، ودول وأنظمة، وصعود اخرى، وهذا سيضعنا، أمام دراما جيوسياسية مثيرة، ستمتد لسنوات عديدة.