كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

محور المقاومة - أمريكا "إسرائيل".. من يخوض المعركة الكبرى وفق توقيته وزمانه ومكانه؟

أحمد رفعت يوسف- فينكس

 بغض النظر عن أي رد إيراني، أو من قبل أطراف محور المقاومة، على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وشكل ومكان وزمان الرد، فالوضع في المنطقة، يحمل الكثير من المؤشرات والدلالات، حول مسار الأحداث واتجاهاتها أبرزها:
** الوضع يسير نحو مزيد من التصعيد وانسداد الأفق، بوجود أي حل، أو اتفاق، لوقف الصراع، أو على الأقل التخفيف منه.
** تؤكد قوانين الصراعات والحروب، أن أي طرف يكون منتصراً، لا يلجأ إلى تجاوز هذه القوانين، وأن الطرف المأزوم، هو من يلجأ إلى هذا التجاوز، لتعويض فشله في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، ولا يمكن النظر إلى استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، واستهداف المدنيين، والمنشآت الصحية والحيوية في قطاع غزة، بهذا الشكل الوحشي، إلا من هذه الزاوية.
** المعركة ليست بين الشعب الفلسطيني، والكيان الصهيوني، وإنما هو صراع وجودي، يخص الأمة كلها، وهو مع الأمريكي كما الإسرائيلي.
** فعاليات يوم القدس العالمي، والمواجهة مع الكيان الصهيوني، تكرس الوعي بأهمية المقاومة، وتجذرها في وجدان شعوب المنطقة، مقابل انهيار لجهود أكثر من خمسة وأربعين عاماُ، لفرض ثقافة التطبيع والاستسلام، على دول وشعوب المنطقة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وهذا سيحدث في لحظة ما، انقلاباً حقيقياً، في ثقافة ووعي شعوب المنطقة، وفي مفهوم الأمن القومي العربي.
** الإعلان عن أسماء شهداء القنصلية الإيرانية، وأعمالهم ومهماتهم، وظهور قادة المقاومة، في كلمات منسقة ومتتالية، يؤكد وجود غرفة العمليات المشتركة العسكرية والسياسية، لمحور المقاومة، التي تراقب وتدرس وتخطط وتنفذ.
وقائع وتداعيات العدوان، على القنصلية الإيرانية في دمشق، وعلى قطاع غزة، وما يجري في ساحات المواجهة الأخرى، وفعاليات يوم القدس، تؤكد أن الصراع مع العدوين الصهيوني والأمريكي، طويل ومتشعب، وأن حسم هذا الصراع، لا يمكن أن يتم بسرعة، أو بالضربة القاضية، وإنما بالنقاط، ويحتاج إلى النفس الطويل، والمتدرج، ومراكمة مجموعة خطوات وانتصارات، تؤدي في النهاية، إلى تحقيق الانتصار الكبير، والحاسم مع هذين العدوين.
لهذه الأسباب، قد يكون الرد الإيراني، ومحور المقاومة، على الجرائم الإسرائيلية، محسوباُ بدقة، بحيث لا يسمح بتمرير الجريمة الإسرائيلية بدون رد، وفي الوقت نفسه، أن لا يعطي نتنياهو وقادة العدو، الفرصة لمواجهة تجري وفق توقيتهم وحساباتهم، وقبل استكمال استعدادات محور المقاومة، لخوض المعركة الفاصلة، التي يريدونها، لتغير قواعد الصراع، وتوازنات القوى في المنطقة، وحتى في العالم، وفق التوقيت والزمان والمكان، الذي يريدونه.
من يراقب الوضع داخل الكيان الصهيوني، والخلافات داخل أعضاء الكابينيت الإسرائيلي (القيادة السياسية والعسكرية للحرب) وتحليلات وسائل الإعلام، والقادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين السابقين، وبعض من لا يزالون في موقع المسؤولية، يدرك أن قادة المقاومة، ينجحون في استنزاف قدرات العدو على المواجهة، وأن حالة الخوف والهلع، داخل المجتمع الإسرائيلي، تؤكد هشاشة قدرته على التحمل، وهو ما يشكل نقطة الضعف الكبرى عند الإسرائيليين والأمريكيين، وأن قادة العدو، باتو يشعرون بأنهم في خطر وجودي حقيقي، وهو ما يتطلب محاولة جر محور المقاومة إلى مواجهة، قبل أن يتمكن من استكمال استعداداته، لخوض المعركة الكبرى المتوقعة.
ويدرك قادة الكيان الصهيوني، أنه هذا غير ممكن، بدون تدخل أمريكي غربي مباشر، لإنقاذهم من فشلهم في تحقيق، أي من الأهداف الاستراتيجية التي وضعوها لعدوانهم، وبالتالي يحاولون توريط أمريكا في مواجهة مباشرة، مع إيران ومحور المقاومة، من خلال تجاوزهم لقواعد الاشتباك، وجعل الرد من قبل محور المقاومة، يطال الأمريكي كما الإسرائيلي، وجعل الأمريكي أمام أمر واقع، يجبره على خوض معركة الكيان الصهيوني، ومن غير المستعبد، وصول قادة الكيان، لاستخدام عقيدة هدم الهيكل على الجميع، على قاعدة (عليي وعلى أعدائي).
المشكلة الأكبر أمام هذا المسعى، لقادة الكيان الصهيوني، هو أن الأمريكيين، في وضع لا يقل صعوبة عنهم، فهم يدركون أن الانخراط في مثل هذه المواجهة، ليس فقط صعباً، وغير مضمون النتائج، وإنما يشكل خطراً حقيقياً، على موقف وموقع أمريكا، وكامل منظومتها الاستعمارية الغربية، وأدواتها في المنطقة والعالم.
فهم يواجهون فشلاً استراتيجياً، في المواجهة مع اليمن "المقاوم" في البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة بعد الإعلان عن امتلاك اليمن، صواريخ فرط صوتية، وبعد التغير الكبير والسريع، في الرأي العام العالمي والأمريكي، ضد العدوان الوحشي الإسرائيلي.
كما يدرك الأمريكيون، أن محور المقا.و.مة، لديه قرار استراتيجي، بإخراجهم من كامل منطقة غرب آسيا، وأن الوقت الذي ستعود فيه فصائل المقاومة لاستهدافهم، في سورية والعراق، وبشكل أقوى وأعنف من السابق، لن يطول، بعد فترة التوقف، التي أعقبت ضرب الموقع الأمريكي في الأردن، مقابل الانخراط مع الحكومة العراقية، لتنظم الانسحاب من العراق وبالتالي من سورية، وتنصل أمريكا من هذه المفاوضات.
كما أن تورطهم، في مستنقع الصراع العربي الصهيوني، يجعلهم يواجهون مخاطر خسارة استراتيجية، مع روسيا في أوكرانيا، وفي مواجهتهم مع الصين، على الوضع في تايوان، وعلى قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية، وبالتالي هم ليسوا في وضع يسمح لهم الدخول، في حرب مباشرة مع إيران ومحور المقاومة، يدركون أنها ستشكل لهم، خسارة "فرط" استراتيجية لهم.
هذا التناقض المتصاعد، في الرؤية الإسرائيلية الأمريكية، للصراع وتداعياته المحتملة، وجدت تعبيرا عنها، في سلسلة مواقف أمريكية متلاحقة ومفاجئة، أبرزها المكالمة الهاتفية المتوترة، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حيث أعلن البيت الأبيض، أن بايدن أكد لنتياهو، ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وبأن السياسة الأمريكية، سترتبط باتخاذ "اسرائيل" إجراء فوري، بما يخص المدنيين في غزة.
أما وزير خارجية أمريكا، أنتوني بلينكن، فقد قال "إذا لم نشهد من اسرائيل التغيرات التي نريدها، فستكون هناك تغيرات في السياسة الأمريكية" وهو نفس الموقف، الذي أعلنته نائبة الرئيس، كاميلا هاريس، حتى الرئيس حتى السابق دونالد ترامب، والمرشح الأقوى للفوز بانتخابات الرئاسة المقبلة، صرح بأن على "إسرائيل إنهاء حرب غزة سريعاً".
هذه المواقف الأمريكية، الأولى من نوعها، منذ عملية طوفان الأ.قصى، تؤكد وجود اختلاف كبير، في رؤية الجانبين للأوضاع، وتؤكد وجود استشعار أمريكي بخطورة الموقف، وأن قادة "إسرائيل" يريدون توريطهم بحرب مباشرة، مع إيران ومحور المقاومة، من خلال تجاوزهم لحدود وقواعد الصراع، وهو ما أكده مسارعتهم، للتنصل من أي مسؤولية، عن العدوان على القنصلية الإيرانية، في دمشق.
هذا التناقض المستجد، في المواقف الأمريكية والإسرائيلية، عبرت عنه مصادر سياسية إسرائيلية، نقلت عنها قناة كان العبرية، تأكيدها أن "بيان البيت الأبيض حاد جداً".
كما نقلت، عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون هاليفا قوله "أنا قلت لكم أكثر من مرة، أنه ليس من المؤكد، أن الأسوأ أصبح وراءنا، ونحن أمام أيام معقدة".
كل ذلك يؤكد، أن المنطقة أمام صراع إرادات، صعب جداً، وأن الأوضاع مرشحة للتصعيد، وأي خطأ، قد يؤدي إلى انزلاقها إلى مواجهة أكبر، وأن الجميع في وضع صعب، لكن الإسرائيليين والأمريكيين، هم في الوضع الأصعب، وأن محور المقاومة، أكثر قدرة على الصبر والصمود، ومن يصرخ أولاً سيدفع الثمن.