كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مابعد النّظام

منذر حسن

 ما يُسجّلُ عن عمليّات القتل التي ترتكبها فصائلُ تابعة لحكومة
.."النّصر".. ليس أنّها غريبة عنها، فالإجرامُ هو سِمَةُ كلّ التنظيمات الماضويّةِ التي تعتاش من جهلها، ومن موروثها المتخلّف.
مايؤلم.. تقييمٌ يجنحُ لتبريرها، أو حتّى لتسويغهِا من زاوية المقارنة بينها وبين إرهابِ النّظام البائد.
أمّا ما يُحبط.. فهو أن تأتي النّقيصةُ من أناسٍ أنقياء، كانوا ضحيّتهُ، سُجنوا وعُذّبوا وكانوا شهوداً على القتل.
..
حادثةُ سقوط النّظام أفرحتنا، لن أنكرَ خشيةً مصدرُها هويّةُ المنتصر، وكنّا سنشيح النّظر عنها.. مع كلّ يوم يمرّ.. مؤكّداً أنّه سقط.
..
مانفكّر فيه الآن..
لقد سبق وأن سرقَ النّظام الثّورةَ، حين ألبسها لبوسَ إرهابه.
كثيرون من أبنائها - ممّن قتلتهم- تحدثّوا عن تسليحها.. أسلمتِها، خاصّةً حين سارعَ لإخراج إرهابيّيهِ من سجونه وتوزيعهم على دروبها، لأكلِها، ولتحقيق سرديّاتهم العطِنة عن هويّة الدولة، المستمدّة من تاريخٍ ممتلىءٍ بالنفاق.
..
السؤال الأكثر تهديداً..
هل ما يجري الآن هو مجرّد استمرارٍ لمسيرة التدمير، بحسبانِ أنّ شعارات النظام السابق لاتسمحُ له بأسلَمة البلاد، فأنجز تدمير بنية الدولة القائمة، ثمّ جرى تسليم مهمّة القضاء على فكرة الوطن ووأدِ تاريخه وحضارته للغرابيب السّود.
من المريب ألّا يتّجه النّظام الجديد القديم لامتلاكِ إعلامٍ يعبّر عنه، أو لاتّخاذ موقفٍ من كل ما يجري.
ألّا يستفزّه منظر العدوّ، أو نوايا التقسيم.
ألّا يهتزّ ضميرُه لجوع الناس.
ألّا يكترث لدمائهم..
هل يعتقد مع سفك الأرضِ والكراماتِ والدّماء أنّ الأولويّة..
"للإصلاح الإداري" وهو الغريب عن الإدارة.
..
اليأس القاتل.. أن يشعر المواطن بالإفلاس، لا يتعلّق الأمر بالجوع أو بالموت فقط، بل بعدم القدرة على التعلّق ولو بقشّةٍ من أمل.
أكتب ذلك..وأتذكّر تلك المشاعر القاسية التي كنّا نتجرّعها أيام النظام البائد، كلّما ظننا أنْ لا أثرَ لأيٍ ضوءٍ في نهاية النّفق،
وأعود للقول:
نحن لم نسمع بعد كلّ مايجري من انتهاكٍ لحرمة الأرواح و الأرزاق والأخلاق شيئاً.. خلا مواضيع إنشاء باهتة تُكتب لمسؤولين طارئين، متخمةً بفئران الوعود، وبالبلاهة.
لعلّ الماضي يدبُّ إلينا.. حداثويّاً.. ملثّماً بالموت.
لعلّها لعبةُ الهزائم.. امتحان الصّبر، والتّاريخ علّمنا أنّها تنتهي.. حين تنهضُ الشعوب.
لذلك لابدّ أن تنتهي.
..
/ وعسى أن يحمل لنا هذا الشهر الفضيل فرَجاً، فليسَ ربّكَ بظلّامٍ للعبيد./