كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الصدق ورطني والكذب نجّاني

إحسان عبيد:

في أواسط الثمانينات كان ثمة برنامج إنمائي لتطوير المنطقة الجنوبية، وجرى تخصيص حوالي 20 جرارا صغيرا للفلاحة بين الشجر و20 جرارا كبيرا لفلاحة المحاصيل الحقلية سيجري توزيعهم على المزارعين بأسعار غير ربحية، وطبيعي أن تتحكم بعض المحسوبيات في طريقة التوزيع، ووقتها اعتبرت أن المعركة هي معركتي بجدارة.. لن ألجأ للواسطة، ويجب أن أحصل على جرار كبير.
.
كلما اجتمعت اللجنة أكون على باب الاجتماع مذكرا إياها بطلبي، وأخذت وعدا قاطعا بذلك.. وقررت أن أعمل مزارعا في ذلك العام.. فأخذت الجرار ومسلفة 12 صاجا وناثرة بذار وسماد ومقطورة ذات جدران بطابقين بـ 162 ألف ليرة (كان الدولار بـ 9 ليرات).
.
جاءت سنة خير وحصلت معي قصص كثيرة جديرة بالتدوين من بداية روداج الجرار وحتى انتهاء الموسم.. وكنت أستعين بورشات للحصاد منهم حورانة (مختلط وبينهم طالبات جامعة).. ومنهم ورشة جدعان ومخلصين بعملهم من بكا وكلهم أساتذة مدرسة وسموا ورشتهم (عاصفة السهول).
.
عندما انتهينا من تصفية الحمص أخذت عينة نصف كيلو وذهبت إلى دمشق لأعرضها للبيع.. بدأت بالمطاعم وقد رغبوا وقالوا لي أننا نفضل حمص الجبل لأنه لايأخذ غليا ولايأخذ طحينة كحمص الجزيرة أو الحمص التركي، ولأن طعمه بعل له نكهة خاصة.. وشاهدت أقبية مخازنهم ومئات تنك الطحينة وعشرات النسوة اللواتي ينقين الحمص.
.
ثم ذهبت للبوايك في الميدان والقدم.. كان السعر أحسن.. زيادة حوالي 20 غرشا بالكيلو، واتفقت مع أحدهم أن آتي له غدا بالأكياس.
.
اتفقت مع سائق سيارة رمل من القرية أن يأخذ الأكياس ونذهب معا باكرا، ووضعنا الحمل بالسيارة مساء.
.
في اليوم الثاني وصلنا محل التاجر ولم يكن موجودا.. انتظرناه على نار فصاحب السيارة يريد أن يمشي، ولما جاء.. أدخل المسبار 3 مرات في 3 أكياس، ثم قال هذه العينة ليس مثل العينة التي رأيتها.. (صار واضحا أن الرجل يريد أن يقلب بالسعر مستغلا الموقف.. فالسيارة محملة وهو يعلم أننا لن نعود بها إلى القرية.. ولو ذهبنا إلى تاجر غيره فالجميع سيقوم بذات الدور عندما يعرفون بأننا متورطون وحملنا جاهز).
.
الحقيقة وقعنا في حيص بيص، أخذنا أنا وأخي أسعد ننظر بوجوه بعضنا، والرجل لم يكترث لنا.. لا أدري كيف قدحت معي فكرة.. قلت لأخي أسعد: يبدو أن كلام الرجل الذي جاءنا صباحا كان صحيحا.. اسعد سكت.. لكن التاجر قال: مين؟ أي رجل؟
.
قلت له: في الصباح أثناء انتظارنا مر رجل وأراد شراء الحمل بنفس سعرك، فقلنا له لقد أعطينا كلمة ولن نغير بكلامنا ولأن كلامنا كان حاسما لم نأخذ اسمه أو عنوان محله لكننا قد نبحث عنه.. وقال لنا عنك: أنك معروف بتغيير كلامك.. وأنك ستنقلب بالسعر.. وحكى كلاما آخر لا ضرورة لذكره (وكل كلامي كان مفتعلا وغير صحيح).
.
لكأنما أفعى لدغته.. فاستشاط غضبا وأراد أن يعرف من هو هذا الرجل وما هي أوصافه.. فلم أقل شيئا.. قال هو: أكيد هذا الحرامي أبو نشأت الله لا يبارك فيه على الصبح... يافاروق.. يافاروق.. نزلوا حمل السيارة بسرعة..
.
نزل الحمل واستلمنا 92 ألف ليرة.
.
وبعنا في ذلك العام 114 الف ليرة قمحا، و84 ألف ليرة تبنا لأهل حلب.
.
تقول القاعدة: إ ذا كان الكذب حِجي فالصدق بنجي.
.
لكن الذي حصل معي أن الكذب نجاني من موقف صعب ومفصلي.. ألله بيسامح.