العنبر (قصة قصيرة)
سمير لوبه - مصر- فينكس
دقائقٌ تفصلُني عنْ إجراءِ جراحةٍ، وهَا أنا قدْ أفقت يغلبُني الألمُ، تتكشفُ عيناي الناعستان المكانَ لأجدَ نفسي في حجرةٍ مظلمةٍ إلَّا منْ ضوءٍ هزيلٍ يتمددُ أمامَ أرضيةِ المدخلِ؛ فقد حلَّ الليلُ باسِطاً سكونَه المطبقَ على مستشفى التأمينِ الصحي، يتسللُ إليَّ الوعي بتروٍ؛ فأدركَ ما حولي، يقابلُ سريري جسدُ أحدِهم يغطًّ في نومٍ عميقٍ مُسجَّى في سكونٍ تامٍ على سريرِه، يغطي وجهَه ربَّما ليتفادى برودةَ الجوِ، لم تلحقْه الإفاقةُ بعدْ، أتمنى أن يفيقَ ليؤنسَ وحشتي في تلك الليلةِ الباردةِ، تخترقُ أسماعَي أصواتُ أمطارٍ ممزوجةٍ بصوتِ أغصانِ الشجرِ الثائرةِ مع الرياحِ العاصفةِ، أمنيتي الآنَ أن يظهرَ لي أحدٌ يساعدُني لأغادرَ سريري؛ لكن من الصعبِ أن تتحققَ؛ فالوقتُ متأخرٌ، والأجواءُ لا تشجعُ أحداً أن يغادرَ مكانَه، أتحاملُ على نفسِي وقد لففت جسدي بالغطاءِ الصوفي، أسيرُ بتأنٍ فلا ينزعجُ جاري في الحجرةِ، بخطواتٍ متباطئةٍ أخرجُ لأجدَ العنبرَ خالياً من أي حركةٍ، تلمحُ عيناي لافتةً متهالكةً تشيرُ إلى دورةِ مياهٍ في اتجاهِ تلك الردهةِ المظلمةِ الممتدةِ، أتوغلُ فيها يقابلُني بابٌ مغلقٌ، أجاهدُ فأفتحَه عنوةً؛ حاجتي لإفراغِ المثانةِ الممتلئةِ تدفعُني غيرَ عابئٍ بآلامِ الجراحةِ والظلامِ الموحشِ، ألحظُ حجراتٍ مظلمةً قد أوصِدت أبوابُها على جانبي الردهةِ، فإذا بي أرى نافذةً مفتوحةً في نهايةِ الردهةِ تقفُ على حافتِها خيوطُ ضوءٍ هزيلةٍ ألقتها مصابيحُ الشارعِ المجاورِ، أتوجهُ إليها ربَّما وجدت دورةَ المياهِ فتزولَ آلامي التي تزدادُ مع برودةِ الردهةِ الشديدةِ، وما إن وصلت إليها حتى لمحت يسارَها مدخلَ دورةَ المياهِ، لا أكادُ أرى موضعَ قدمِي، أتحسسُ الحائطَ بحثًا عنْ مِفتاحِ النورِ فلا تنجحُ محاولتي، تزدادُ آلامي فلا أعبأ بالظلامِ الدامسِ والسكونِ الرهيبِ، أشعرُ بدوارٍ فأستندَ إلى البابِ، وما أن انتهيت حتى شعرت بالراحةِ، ولكنَّ الدوارَ يكادُ يسقطُني أرضاً، أجتهدُ وأستديرُ لتقعَ عيناي على عينٍ حمراءٍ تتوهجُ وسطَ الظلامِ المعتمِ؛ تضطربُ أنفاسي فزعًا، إنَّها تقتربُ مني أكثرَ فأكثرَ؛ يكادُ قلبي يتوقفُ رعباً، حتى أكتشفُ أنَّها مجردَ سيجارةٍ مشتعلةٍ يمسكُ بها بينَ شفتيه رجلٌ طويلُ القامةِ قدْ لفَّ جسدَه بملاءةٍ بيضاءٍ، يرمقُني بنظرةٍ متفحصةٍ، تلمعُ عيناه؛ مما جعلني أنسى الدوارَ وآلامَ الجراحةِ، فلم أتمكنْ من الصمتِ فقلت بصوتٍ متهدجٍ وقد تعلقت يدي بالبابِ كي لا أسقطُ.