كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مكانة القرآن الكريم في نهج البلاغة

د. يوسف عيسى

نجد في نهج البلاغة محورا مهما: القرآن الكريم
لقد كان للقرآن الكريم أهمية محورية في كلمات الإمام علي عليه السلام كما في كلمات الأئمة عليهم السلام من بعده ، ففيه الدواء من آفات القلب: ( فاستشفوه من أدوائكم، و استعينوا به على لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء: و هو الكفر و النفاق و الغي و الضلال) وهو (شافع مشفَّع) و(من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه) وهو (الناصح الذي لا يغش والهادي الذي لا يضل والمحدث الذي لا يكذب) و(ما جالس القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى)
وأن القرآن لا يمكن أن يستغنى عنه بغيره (واعلموا أن ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ولا لأحد قبل القرآن من هدى) وأنه نعم المجال للاستثمار المعرفي والإيماني (فإنه ينادي مناد يوم القيامة:《ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه و عاقبة عمله، غير حرثة القرآن》
و(إن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به)
ولكن لا يمكن الاستقلال في فهم القرآن الكريم عن توجيهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أئمة الهدى عليهم السلام، لما يتضمنه القرآن الكريم من دقائق وإشارات، كما لا يخلو من غوامض، ولذلك يقول (عليه السلام) في الخطبة 157 واصفاً القرآن الكريم: (ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ، أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ).
ويصف الإمام عليّ عليه السلام كتاب الله في موضع آخر حين يقول: "ثمّ أنزل عليه الكتابَ نوراً لا تُطفأ مصابيحُه، وسراجاً لا يخبو توقُّدُه، وبحراً لا يدركُ قعرُه، ومنهاجاً لا يُضِلّ نهجُه، وشعاعاً لا يُظِلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمدُ بُرهانُه، وتبياناً لا تهدم أركانه، وشفاءً لا تُخشى أسقامُه، وعزاً لا تُهزَم أنصارُه، وحقّاً لا تُخذَلُ أعوانُه.
فهو معدِن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافيّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحرٌ لا ينَزْفَه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضلّ نهجَها المسافرون، وأعلامٌ لا يعمى عنها السائرون، وآكامٌ لا يجوز عنها القاصدون.
جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ‏َ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزاً لمن تولّاه، وسلماً لمن دخله، وهدىً لمن ائتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآيةً لمن توسّم، وجُنّة لمن استلأم، وعِلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى" خ ١٩٨
فالقرآن بناء متكامل يغترف منه كل من أراد الهداية والسمو والشفاء من الانحرافات، و لكل من أراد القوة في المحاججة والعزة في الدنيا والآخرة.
ولا ننسى وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وبعد كل هذا كيف يدعي مدع أنه اهتدى بدون الخوض في معارفه وأنواره؟!
وكيف أعرض المسلمون للأسف عن الاهتمام بالثقلين معا ويزعمون أنهم على خير وهدى!
وتجدر الإشارة أننا لا نجد أمرا بحفظ القرآن لفظيا أوالتغني بتجويده والاكتفاء بذلك، كما عليه عامة المسلمين اليوم.
وأخيرا حذار حذار من هجره وعدم تدبره وإهمال تطبيق تعاليمه كما أخبر القرآن الكريم في قوله تعالى: (وقال الرسول يا ربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).