كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العلاقة بين اللغة والتفكير

غزوان أحمد علي

فنحن لا نستطيع أنْ نُفكرَ مِن دون استخدام اللّغة، وما اللّغةُ إلا رموز تدلّ على المضمون، وما احتجْنا لها إلا لاستحالة تجرُّدِهِ عنها بالنسبة لنا، وهكذا معنى الكلمة وما إليه مِن (رسم ولفظ)، فنحن احتجنا إلى رسم الكلمة ولفظها لاستحالة معرفتنا بالمعنى من دون رسم ولفظ، فكلمة [ذهب] في العربية -على سبيل المثال- قد تأخذ رَسْماً آخرَ كمثل رَسْمها في اللّغة الإنكليزية [went]، واسْماً آخر وهو لفظها بِحَسْبِ الإنكليزية، ولكن معنى [الذهاب] هو هو في اللّغتين وفي اللّغات كافة، وكمثال أوسع فإذا كنت أمام ورقة مكتوبٌ عليها باللّغة الفرنسية -مثلاً- وأنت لا تُجيد اللّغةَ الفرنسية فلن تفهم من الورقة شيئاً، ولكن إذا ما درستَ اللّغة الفرنسية وعُدتَ إلى الورقة فستقرؤها وتعرف مضمونها، مع أنّ الورقة هي هي لم تتغير، إنما تغيّر وعيك وفهمك، فالمعاني فيها بِحَسْبِ وعي المُتلقي ودرجة فهمه، بل وحتى النص في اللّغة العربية قد يتدرج الناسُ مُستوياتٍ في فهمه وسبرِ أغواره بحسب استحقاقهم ودرجتهم في الفهم والاستيعاب، وعليه فإنّ المعاني ليست في الكلمات وإنما في الناس، وبعد أن يُنهي الشاعر قصيدته لن نستطيع أن نبحث عن المعنى في قلب الشاعر بل في قلب المُتلقي:قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏غزوان أحمد علي الحارة في المنهج الأسطوري رؤية جديدة في الحداثة اثة بين فعل الشعر وفعل التلقي‏'‏
-المعنى في قلب المُتلقي (وليس الشاعر)
-المُتلقي هو علة الشكل (أي سبب الحاجة إليه=وجوده)
وهذا حريٌّ أن يُغيّر في نظريّة الوحدة العضويّة الشيء الكثير، فنبحث عنها في تلك العلاقة بين فعل الإبداع وفعل التلقي, فالشكل هو المضمون ولكنّ المضمون ليس شكلاً فقط.
والشاعر بمعزل عن المُتلقي ليس إنساناً، هذا إذا استطاع العزل أصلاً، ولنفترض أنّ إنساناً عَرَفَ أنه الوحيد المُتبقي على وجه الأرض، وأن لا حياةَ بعد موته، فهل سيعكف على كتابة الشعر أو الرواية أو القصة؟ أو هل سيتصدى إلى نقد شاعر ما؟ لا بُد أنّ أفعاله ستكون غاية في البساطة والمُباشرة تجاه أي شيء، هذا إن فعل شيئاً!
يقول كل مِن هاري وبونارو أوفرستريت في كتابهما: [العقل المُنطلق]: "يستطيع العقل البشري السير في اتجاهات كثيرة، لكن اتجاهه نحو إنسان آخر هو أكثر هذه الاتجاهات مشقة وأعظمها جدوى.
[The Mind Goes Forth]
by Harry and Bonaro Overstreet
وعَودٌ على بَدء: هل اتّفق النقاد على تعريفٍ للحداثة؟ وهل يستطيع أحدنا أن يتبنّى تعريفاً لأحد النقاد الغربيين -أو العرب- ليتخذه مُنطلقاً ثابتاً في كلّ دخول إلى مفهوم الحداثة؟ هل يكون تعريف الحداثة في الشعر مُختلفاً عن تعريف الشعر؟ ألا نقول جميعاً إنّ الشعر الحقيقي يبقى شعراً في كلّ زمانٍ ومكان؟ فهل هناك حداثة تختلف في تعريفها عن تعريف الشعر الحقيقي؟ أم إنّ القصد يتجه إلى [تعريف حديث للشعر] وليس إلى [تعريف للشعر الحديث]!
---------------------------------------------
من كتابه: [رؤية جديدة في الحداثة]
الطبعة الأولى 2004
الطبعة الثانية 2006
الطبعة الثالثة 2010
مطبعة اليمامة