كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تحيّة لروح الباحث الرًاحل محمود فاخوري

أحمد عزيـز الحسين
كان الباحثُ الراحلُ محمود فاخوري ( 11 سبتمبر/ أيلول -1933- 22 يونيو/ حزيران- 1916) نجمَ كليةِ الآدابِ في جامعة حلب بلا منازع، وكان يحظى بتقديرِ أساتذتها وطلابها جميعاً لما توفّر عليه من علمٍ، ودأْبٍ، وتقصٍّ، وأخلاقٍ، ورغبةٍ في العطاءِ بلاحدودٍ، ولم يكنْ معظمُ أساتذةِ كليةِ الآدابِ ينشرون كتاباً في البحثِ الأدبيِّ أو علوم اللغة العربيّة من دون أن يرجعوا إليه، ويتزوّدوا من ملاحظاته وعلمه الثّاقب، وفي مقدمتهم الدكتور عمر الدقاق، والدكتور محمد حموية، والدكتور فؤاد المرعي.
وأذكر أننا كنا نحضر لقاءً مع مستشرقةٍ روسيةٍ جاءتْ زائرةً لكليةِ الآداب في العام الدراسيّ 1982-1983، وكُلِّفَ الدكتور المرعي بالترجمة الفورية لما دار بينها وبين طلبة الدراسات العليا من حوارٍ، وحين رغِبَ الدكتور فؤاد بالاستفسار عن معلومةٍ تراثيةٍ لم يكنْ متحققاً منها توجّه إلى الأستاذ فاخوري، وطلبَ رأيه فيها؛ مع أنّ القاعةَ كانتْ تغصّ بالأساتذة الجامعيّين المعروفينَ، وفي مقدمتهم الدكتور محمد ألتونجي، والدكتور محمد حمويّة، والدكتور فايز الداية؛ فأجابه الأستاذ فاخوري عن سؤاله بسرعةٍ، ثم أكمل الدكتور فؤاد الترجمةَ من دون توقف.
ومع أنّ الأستاذ فاخوري، رحمه الله، كان يحمل درجة الماجستير في الآداب من جامعة القاهرة، إلا أنّ أساتذة كلية الآداب كانوا يعدّونه أستاذاً وأخاً كبيراً لهم جميعاً، ويستشيرونه في بحوثهم العلميةِ، وما ينشرونه من كتبٍ علميّة.
وحين قررتْ كليةُ الآدابِِ تدريسَ مادّةِ (الأدبِ العثمانيِّ) لطلابِ السنةِ الرابعةِ في العام الدراسيّ 1979-1980، ولم يكن هناكَ مرجعٌ علميّ يمكنها الاعتمادُ عليه في ذلكَ أسندتِ المهمّةَ إلى الأستاذ فاخوري؛ لأنها كانتْ تعلمُ أنهُ الباحثُ الجامعيُّ الأقدرُ على النهوضِ بها على أكملِ وجهٍ ممكنٍ، وهذا ما حصلَ فعلاً؛ إذ إنّ الأستاذ فاخوري ألقى محاضراتِهِ في الموضوعِ نفسه،ثمّ نشرَ كتاباً حولهُ في السنةِ نفسها مؤكداً قدرتهُ الكبيرةَ على النهوضِ بالمهام العلمية الموكَلةِ إليهِ، سواءٌ أكانتْ في العروضِ، أم في البلاغةِ، أم في علمِ الصرفِ، أم في البحثِ الأدبيِّ، وهو ما استطاع إثباتَ جدارتهِ فيها جميعاً.
وقد كانَ لي حظُّ الحصولِ على عنايته ورأيه حينَ أكملتُ دراستي العليا؛ وألفتُ بحثاً عن الشاعر المخضرم (مطيع بن إياس) تحت إشرافِ العلامةِ الراحلِ محمد حموية، ومع ذلك لم يبخلْ عليّ الأستاذ فاخوري بأيةِ معونةٍ أو معلومةٍ طلبتها منه إلى أن أكملتُ بحثي، وسلمته نسخةً منه، وأنا سعيدٌ.
وقد حظي الأستاذ فاخوري بعضوية مجمع اللغة العربية في دمشق تتويجاً لعطاءاته في حقلي اللغة العربيّة والتراث العربي، وقيامه بتحقيق مجموعة من كتب التراث المهمَة، منها "صفة الصّفوة" لابن الجوزيّ، و"المُغرِب في ترتيب المعرب"، و"روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار" لابن الخطيب.
رحمه اللهُ رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيحَ جناتهِ؛ فقد كان مثالا للعالمِ، والمربيّ، والأبِ الروحيِّ لكلِّ من تتلمذَ عليهِ، أو حظيَ بعنايتهِ، أوزمالته، أوصداقته.

والشكرُ الخالصُ للصديقِ الأديبِ أحمد حسين حميدان؛ لأنه كان المحفّزَ لي على كتابةِ هذه المقالةِ المتواضعةِ عنه بوصفه أستاذاً، وعلماً جليلاً من أعلامِ حلب الشّهباء.