كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من ثورة استقلال سورية.. حدث في حماة أيار 1945- ح2

خالد محمد جزماتي- فينكس

كان يوم الاثنين 14 أيار 1945 في حماة ظاهره يوماً عادياً، ولكن الناس في المدينة وبلدات ريفها الفسيح الأرجاء يعلمون علم اليقين أن تداعيات ما حدث يوم الأحد في الملعب سيكون لها شأن عظيم، ولكن الذي طغى على المدينة قوة الشباب الثائر على الفرنسيين وأعوانهم الجواسيس والقلة من الممالئين.. ومحافظ حماة ورئيس شرطتها وقائد دركها، وكانت قضية إنزال العلم الفرنسي من على مقر الأمن العام وتمزيقة وتفكير القيادة الفرنسية حول ذلك وهم يعتبرون أن ذلك إهانة للجيش الفرنسي الذي يحميه، و إهانة الجيش الفرنسي هو إهانة لفرنسا كله...محمد الجندي والد الدكتور سامي الجندي 1945
ومع كل الشائعات التي بدأت ببثها دائرة الاستخبارات الفرنسية حول الانتقام القادم من الوطنيين الثائرين، والذي زاد الطين بلة وصول الأخبار السيئة عما يفعله الفرنسيون بالمواطنين السوريين من مآس في المحافظات السورية الأخرى، فتتأجج العواطف ويزيد الاصرار على متابعة النضال السلمي والحربي..
ومن الأحداث المهمة التي جرت قيام المحافظ خالد الداغستاني بدعوة أكثر من سبعين رجلاً من وجهاء حماة ومشايخها، حيث بحث معهم تداعيات ما حصل وخاصة قضية انزال العلم الفرنسي وتمزيقه...! وكانت أجوبة الأعيان من رجالات حماة كما هي إرادة مواطنيهم.. متابعة الصراع مع العدو المحتل حتى يرحل... تلك هي....
وتابعت دوائر المخابرات الفرنسية عملها لترهيب الشعب، ولكن عبثاً يفعلون..! فقد تقرر اعلان الاضراب العام في المدينة اعتباراً من يوم السبت 19 أيار 1945 باتفاق جميع فعاليات المدينة... وأضربت المدينة يوم السبت كما تقرر، وأيضا أضربت المدارس جميعها حتى الابتدائية منها.. وبقي هذا الإضراب الشامل حتى تاريخ 5 حزيران 1945 أي خمسة عشر يوماً....
وقد جرت خلال الاضراب حوادث كثيرة تمت السيطرة عليها من قبل شرطة المدينة ودركها، وأهم الاجراءات التي نفذها الفرنسيون انسحاب سرية الخيالة مساء يوم الاثنين 21 أيار 1945 من خان الشعبة الى ثكنة الشرفة، وأيضا تابع الفرنسيون اخلاء جميع مقراتهم في المدينة، ولم يبق سوى منازل عوائل الضباط وبعض الرتباء والجنود، وفي هذا السياق سيعلم القاصي والداني كم هي شيم العرب ناصعة باهرة، حيث حافظ الحمويون على تلك البيوت التي تضم عائلات ضباط عدوهم وجنوده وزودوهم بالماء والطعام، وأكرموهم بالأمان... ولقد جرت بعض الحوادث أثناء الاضراب نلخصها لفائدتها:
--أول يوم للاضراب قامت وفود عدة بزيارة عطوفة المحافظ شاكرة له موقفه الوطني النبيل ومعه قيادة الشرطة والدرك...
-- يوم الأحد 20 أيار 1945 أصدر المحافظ خالد الداغستاني أمراً الى قائد الشرطة وزميله قائد الدرك بمنع دخول سيارات الجيش الفرنسي إلى المدينة.
- عصر يوم الأحد ومع زخات من المطر وصل وفد "الســلــمــيــة" الوطني وعدده ثمانون محارباً مدججين بكامل سلاحهم وعتادهم، وقد نزلوا من سياراتهم حاملين الأعلام السورية واللبنانية والعراقية والمصرية والسعودية، طافوا بها مختلف أرجاء حماة، ثم قصدوا المحافظ يعرضون عليه تطوعهم للقتال الى جانب إخوانهم في حماة، وألقى السيد اسماعيل خنسة كلمة وطنية جامعة أمام الجماهير المحتشدة معلناً الوحدة الوطنية الشعبية ومرحباً بقتال المحتل الفرنسي حتى تحقيق الاستقلال، وبهذا الصخب الوطني الرائع أجابه الشيخ العلامة سعيد الجابي بكلمة بليغة كان لها الوقع العظيم في نفوس الجميع..
ثم غادر الوفد السلموني ساحة العاصي متوجهاً مع الجميع الى "بيت الشباب"، فكان على رأس المستقبلين الدكتور محمد السراج الذي رحب بهم أجمل ترحيب، ثم ارتجل كلمة وطنية رائعة عبّر فيها عن جمال وقوة الوحدة الوطنية وعظمة نتائجها، وبعد انتهاء السراج من خطابه ارتجل السيد اسماعيل خنسة (من السلمية ) خطبة جوابية عبر فيها عما يجري من نشاطات وطنية صادقة في بلدة السلمية ومن حولها من رجال القبائل الأشداء.. وتتابع الخطباء في بيت الأمة مثل المهندس خضر الشيشكلي والدكتور فائز السراج وغيرهم... ولقد ذكرت بعض المصادر أسماء عدة أشخاص من أعضاء وفد السلمية وهم: أحمد الناصر - المحامي يوسف أبو حمود - خضر محمد عواد - اسماعيل عواد - اسماعيل خنسة - اسماعيل رستم - حسين شحود - عزيز الشيخ أحمد -اسماعيل بصل - عبد الحميد أحمد غفر -
و عاد الوفد مساءاً إلى السلمية مودعاً بأحسن ما استقبل به، وقد تركت زيارته أثراً بالغاً في نفوس الأهلين بحماة...
-- دخلت حماة يوم الأربعاء 23 أيار 1945 سبع سيارات كبرى يركبها وفداً ثانياً، من مجاهدي السلمية وأفراداً من عشيرة بني عز والنعيم، يقودهم السيد محمد الجندي (والد الدكتور سامي الجندي)، وهم مسلحون بسلاحهم الفردي الكامل، وكان اللافت بهذا الوفد اصطحابهم لعدد من المدافع الرشاشة، وهذا ما فرح به الحمويون كثيراً، وقد استقبلهم محافظ حماة أحس استقبال، ملقياً بهم وبالجماهير المحتشدة من السلمية وعشائرها كلمة ترحيبية وطنية جميلة، يدعو فيها الجميع الى الهدوء وتحضير الجميع لما يترتب عليه العمل لمنازلة المحتل البغيض...، وقد أجاب من الوفد السيد سليمان عيسى بكلمة جوابية حيا بها المحافظ والشرطة وقادتها وجماهير حماة وأعيانها وأبدى استعداد شعب السلمية وعرب البادية لشد أزر المجاهدين في حماة قولاً وفعلاً، ثم ألقى من الوفد أيضاً السيد قاسم أبو حمود كلمة حماسية ألهب الجماهير بها، ثم ألقى الشاعر أنور الجندي قصيدة رائعة شرحت الموقف الوطني الملتهب، ثم أنهى السيد محمد الجندي كلمات الوفد بارتجاله كلمة يفوح من كلماتها صدق الموقف ودقة العمل الجامع والتوق الى التضحية والنزال.صورة عن مجاهدي سلمية 1945 في الاعراب
وفي الختام ألقى المجاهد الحموي المعروف عبد الرحمن الشارع (أبو رميح) كلمة حيا بها الوطن وأهله، ودعا الى وحدة الصف بين الجماهير وقادتها وبين محافظ المدينة وشرطة المدينة ودركها، والحفاظ على أبنية الدولة في المدينة والاهتمام بعائلات العسكريين الأجانب والعناية بهم...
ثم قصد الوفد مع الجماهير بيت الأمة القائم في سوق الصاغة بحي المرابط بحماة، وبعد الاستماع الى الكلمات الترحيبية المتبادلة، لبى الوفد دعوة العشاء من قبل أعضاء جمعية المحالبة في حماة والتي تناصر حزب الشباب الذي أسسه المرحوم عثمان الحوراني بين عامي 1937- 1938، فكان على رأس المستقبلين عند وصول الوفد الضيف والجماهير المرافقة له السيد خالد مراد آغا والسيد محمد خير النوري وعبد الحليم الحوراني وابراهيم آغا البرازي وغيرهم.. وبعد العشاء ثم تناول الشاي عاد الوفد الى السلمية في وقت متأخر من الليل مودعين بالحفاوة التي تليق بالوفد وبأهل حماة....
يتبع
كيف تم إعلان نبأ وفاة الشيخ صالح العلي؟
حصار سوريا.. الخمسينيات
واقعة الصوخر في جبل العرب زمن الاحتلال الفرنسي
سورية والحرب الكونية عليها: حرب نكون أو لا نكون!
جريدة الشعب ترحب بوفد من جبال العلويين إبّان زيارته لدمشق في آذار 1936
عن دولة حاربت العالم.. وانتصرت (1) و(2)
الانتداب الفرنسي 19220- 1943 على سورية بين السيطرة الاستعمارية ونشر الحداثة
مقدمات ظهور جمهورية ألمانيا الديمقراطية
السياسة الخارجية للسلطنة العثمانية من خلال: "وصية فؤاد باشا ١٨٦٩"
من ثورة استقلال سورية.. حدث في حماة أيار 1945- ح12
نحو حركة طلابية ثورية مقتدرة
من هنا بدأت الهيمنة الأمريكية على العالم بقوة السلاح
العالم في العقد الثاني من القرن بين خريف العرب و حرب أوكرانيا
ارتفاع الهجرة غير الشرعية إلى اليونان.. أوروبا لم تعد تتحمل المزيد من المهاجرين
من الإرهاب التكفيري إلى الإرهاب الاقتصادي والتجويع: سيناريوهات تنفيذ خطّة تدمير الدولة الوطنية العربية لم تنْفد بَعْد!