كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

صديقي أبو الجاسم.. وداعاً

مروان درّاج:

محمد صالح قواريط (أبو الجاسم). تعارفنا في أواسط ثمانينات القرن الماضي، كان من قادة الصف الثاني في جبهة التحرير الفلسطينية، بعد انقضاء سنوات على صداقتنا، أخذني سلوكه وكلامه ونقاشاتنا شبه الدائمة، أن أبا الجاسم الذي ينحدر أساسا من قرية صغيرة في الجولان المحتل، هو فلسطيني أكثر من كثير من الفلسطينيين، فهو الذي عايش بدايات الثورة الفلسطينية.. وكان القائد الذي يقرن الأقوال بالأفعال، ويؤمن بضرورة العيش بين أبناء شعبه في المخيمات وليس في بيوت وشقق ضخمة ضمن المدن كما فعل غيره.
بعد الخروج من بيروت لم يكن يطمح لا بملكية بيت ولا سيارة ولا بحسابات بنكية في رام الله، كما فعل من هم أدنى منه في المراتب التنظيمية، جاء وعاش مع عائلته في مخيم اليرموك ضمن منزل أقل من عادي، ولأنه اختلف مع رفاق دربه ولم يكن من المصفقين لبعض رموز الجبهة التي التحقت بقطار (أوسلو) لم يعد راتبه المالي يصله وحاربوه بلقمة عيشه، لكن أبا الجاسم لم ينحن ولم ينكسر، بقي ذلك المناضل الصلب..
من خلال بعض المبالغ التي استدانها من الأصدقاء، بادر باستئجار متجر صغير في سوق المخيم، واشتغل في بيع وشراء الحبوب والبقوليات وبعض المنظفات، وبذات الوقت لم ينقطع عن نشاطه السياسي.
وبعد التهجير القسري من اليرموك عام 2012، بقي أبا الجاسم في المخيم ولم يغادره كما فعل قادة الفصائل الفلسطينية، فهو انضم إلى لجنة العمل الوطني الفلسطينية المستقلة، وشارك بمساعدة من بقي في المخيم من المدنيين على أمل الإسهام في بذل الجهود لإعادة السكان إلى المخيم بدل تشردهم في أنحاء مختلفة من العالم وبلدان الشمال الأوروبي.
بعد انقضاء سنوات على التهجير القسري لسكان اليرموك، اضطر أبو الجاسم للخروج والعيش في عزلة في بعض أحياء ريف دمشق، وحين أتواصل معه كان يبدو صوته متهدجاً وتأكله الكآبة والأحزان على ما آلت إليه الأحوال.
لاحقاً يضطر أبو الجاسم كما غيره من أبناء شعبنا إلى الالتحاق بعائلته في بلاد الصقيع ليختم ما تبقى من سنوات عمره متنقلا بين البيت والمشفى، وبعد رحلة طويلة من أوجاع الجسد والروح يخذله قلبه ويلتحق بقافلة طويلة من شهداء فلسطين..
يرحل أبو الجاسم بعيداً عن اليرموك وأهله، بلا مودعين وبلا باقات الورود وبلا زغاريد النسوة وبلا رفاق الدرب.. وبلا أعلام فلسطين التي كانت تزين قبور الشهداء.
لروحك الرحمة والسلام.
نم واهنأ يا صديقي..
باق في قلوب وضمائر الشرفاء من شعبنا