كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

طبيب الفقراء الدكتور دسار قادرو

د. جوليان بدور:

سأتحدث اليوم عن طبيب القرية، لا بل عن قديس، عن حالة قد تكون فريدة من نوعها في هذا العالم الغريب، لا في بلدنا سورية فحسب، عن حالة ذات معنى وعِبر ومدلولات لا نهاية لها في عالم فقد الإنسان إنسانيته ولطفه وعطفه وتحول الى روبوت بدون إحساس وانفعالات همه الوحيد والفريد جمع الأموال وتراكمها.
بعد الانتهاء من الدراسة، لم يقرر الدكتور دسار قادرو مغادرة القرية التى وِلد وترعرع فيها بحثاً عن الجاه والصيت والمال، بل قرر البقاء فيها، ضارباً جذوره في عمق أرض قريته كجذور السنديانة المعمرة الموجودة في حديقة بيته الخلفي.
بعد تعيينه في مستوصف قرية تقع الى جانب قريتنا، قام الدكتور دسار قادرو بفتح عيادة صغيرة في منزله المتواضع جداً في قرية "أبي مكة" لاستقبال المرضى والحالات الاسعافية من أكثر من خمسة وعشرين قرية في المنطقة. رافضاً وضع ساعات بدء وانتهاء العمل في عيادته المتواضعة، يستقبل الدكتور دسار المرضى ويسعف الجرحى ليلًا نهاراً وفي أي ساعة ولو كانت الواحدة أو الرابعة صباحاً.
طبيب الفقراء والمحتاجين، الدكتور دسار يبدي جاهزية تامة للقيام بواجبه والذهاب، إذا اقتضت الضرورة، الى بيوت المرضى البعيدة (أحياناً اكثر من ٢٠كم) ويرضى بأي وسيلة نقل ولو كانت على موتور أو تركتور، في الليل والنهار، تحت المطر أو الثلج، في الحر والصقيع.
خلال زيارتي له هذا الصباح، سألته اذا كان حدد تسعيرة المعاينة للمرضى الذين يقصدونه، قال لي بأنه يترك الأمر لوجدان الناس وبأن المعدل الوسطي للمعاينة هو حوالي خمسة الآلاف ليرة سورية (أي حوالي نصف دولار) بدلاً من ثلاثين ألف ل. س. في المدينة.
الدكتور دسار قادرو ما زال ينظر، ربما على عكس الكثير من الذين يعملون في هذا المجال، الى مهنة الطبيب الى إنها مهنة قبل كل شيء إنسانية بإمتياز هدفها الرئيسي هو اسعاف الجرحى ومداواة المرضى باسعار رمزية وليست وسيلة لكسب الصيت والمال.
نعم ما زال في بلدنا أطباء ومهندسين وأصحاب شهادات عليا، كالدكتور دسار، يؤدون أعمالهم بكل شغف ومحبة وقناعة واحتراف، ويرفضون الهجرة الى الخارج أو مغادرة بلدهم وقراهم سعياً وراء الدولار والأموال، والخدمة والعمل في ظروف قاسية وصعبة في بلاد لا تكنُّ المودة والاحترام لشعبنا ولبلدنا الحبيب.
أمام الدكتور دسار وأمثاله، وهم في حقيقة الأمر كثر في بلدنا، لا يمكننا إلا أن ننحني اجلالاً وإكباراً واحتراماً لهم.
دمتم ودامت سورية الإنسانية والعطاء والمحبة والسلام بألف خير