كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المربي عثمان الحوراني.. رجل العلم والجهاد

خالد محمد جزماتي- فينكس:

أصل العائلة..
---------------
عائلة الحوراني في مدينة حماة أصولها من بلدة "جاسم" في حوران، وهم من اّل الحلقي، ولكن عُرفوا في حماة ببيت الحوراني، وقد جاء في كتاب "تاريخ حماة" للشيخ أحمد الصابوني ما يلي:
"إن الشيخ عثمان بن الشيخ صالح بن الشيخ حسن الحوراني الرفاعي جاء من حوران سائحاً، فسكن حماة وصار له تلامذة يأخذون عليه الطريقة الرفاعية، ثم توفي ودفن فيها. وخلفه ابنه أبو الوفا السيد علي، وكان السيد علي مفتياً في حماة فاضلاً عالماً مهاباً كريماً، يسكن في محلة سوق الشجرة، انتفع بعلمه كثيرون وتوفي سنة 1085 هجرية".
ولقد بنى هذا الشيخ زاوية في حي الحوارنة في حماة، ومارس فيها مع المريدين الطريقة الصوفية الرفاعية.عثمان الحوراني في شبابه1
حياة ومولد المربي الفاضل..
----------------------
وُلد عثمان الحوراني في مدينة حماة سنة 1898م، وتلقى علومه في الكتاتيب، ثم تابع دراسته في مدرسة السلطاني، ثم سافر إلى القدس وانتسب إلى الكلية الصلاحية للدراسة العالية، ومعه رفاق عمره عمر يحيى وبدر الدين الحامد.
وأول عمل قام به هو التدريس في مدرسة دار العلم والتربية، واقترب كثيراً من عميد المدرسة الدكتور صالح قنباز ورجالات المدرسة الاّخرين كنورس الكيلاني وأحمد سليم الوتار والشيخ طاهر النعسان وغيرهم.
وكان منزل الأستاذ عثمان الحوراني في حي الدباغة "على يسار طلعة سطوح السوق يسار حمام الحلق" تزوج من زوجة أخيه بعد وفاته، وقد كان له ولدان وبنتان، والولدان هما المرحوم أدهم والعميد توفيق، ورزقه الله ثلاثة أولاد ذكور هم المرحوم هاشم وعاصم و الدكتور المهندس معن.
وكان المرحوم عثمان الحوراني ناجحاً جداً في التدريس، وتأثيره على تلاميذه كان دائماً عظيماً، وعندما كان يحدثهم عن التاريخ كانوا يتشربون الوطنية بشكل غير معهود. ولقد خدم في المعارف السورية وفي مختلف المناطق السورية مدرساً ومفتشاً ومديراً للمعارف في السويداء وحماة.
والأستاذ الحوراني من مؤسسي النادي الأدبي في حماة سنة 1922م، والذي لعب دوراً رئيساً في إذكاء التمرد الدائم على سلطات الإحتلال الفرنسي، وهذا ما جعل السلطة الفرنسية في حماة تقوم على حلّه بعد إخماد ثورة حماة سنة 1925م. وكان يُلقب "أبو الثورات"، فلم تحدث ثورة في بلاد الشام إلّا واشترك فيه وكان فعّالاً بشكل يثير العجب، ويجبر الجميع على جعله القدوة الحسنة والمثال الوطني الساطع.
ولقد ذكر عنه المجاهد محمد سعيد الزعيم الكثير عن اشتراكه بثورة حماة تحت قيادة القائد فوزي القاوقجي، وكان من أركانها مع المجاهد الطبيب محمد علي الشواف والطبيب خالد الخطيب والمجاهد سعيد الترمانيني وأحمد الوتار وبدر الدين الحامد وعبد الرحيم الغزي والشيخ طاهر النعسان ومصطفى عاشور وعبد القادر مليشو وعز الدين الحريري وخالد مراد اّغا وعبد الحميد مراد آغا ومنير الريس وغيرهم كثير.
وعندما تم الحكم عليه بالإعدام من قبل الفرنسيين غادر إلى العراق وبدأت رحلة التشرد والعناء، ولكنه تغلب على الصعوبات، وقام بالتدريس في مدرسة الكاظمية ببغداد ثم تولى إدارتها لكفائته وتفانيه في العمل، ولكن الإنكليز كحليفهم الفرنسي ضاقوا به ذرعاً، فأبعدوه إلى "البحرين".
وكان قد سبقه إليها رفيق عمره الشاعر عمر يحيى وزكريا البيات من دمشق، فعمل الجميع على تعليم تلامذة البحرين، وهناك برز عثمان الحوراني وأسس مديرية المعارف، وأول مدرسة للبنات، وبدأ باختيار الشباب البحرينيين وإرسالهم للخارج من أجل متابعة الدراسات العليا.
وهنا ضاق الإنكليز به ذرعاً فنفوه وعمر يحيى إلى سلطنة عُمان، وسجنوه فيها، ووصل الأمر بالإنكليز إلى الخوف منه وهو في السجن لتأثيره على السجناء والسجانين، فنفوهما إلى الهند لينسوه الناس ولعله يرعوي. وفي الهند قيّض الله له ولرفيقه أناساً ساعدوه على الهرب من السجن والاختباء في عنابر سفينة تجارية أوصلتهما إلى الخليج، ثم انتقلا إلى البصرة في العراق. وفي العام 1930م عاد الحوراني ورفيقه مستفيدين من العفو العام التي أصدرته السلطات الفرنسية.
كان عثمان الحوراني عضواً مؤسساً في حركة القوميين العرب، وأيضاً كان مع الكتلة الوطنية التي أسس فرع حماة الدكتور توفيق الشيشكلي، ثم اشترك في تأسيس تنظيم القمصان الحديدية الشبه عسكري والذي تزعمه في حماة المجاهد سعيد الترمانيني.
بعد توقيع المعاهدة الشهيرة عام 1936م بين الكتلة الوطنية السورية والدولة الفرنسية طرح المرحوم عثمان الحوراني إعادة هيكلة الكتلة الوطنية في حماة، ووضع نظام داخلي لها ومنهاجاً حديثاً تسير بوجبه كحزب عصري، لم يوافق على ذلك المرحوم الدكتور توفيق الشيشكلي وهنا دبّ الخلاف في الرأي ولكن بدون عداء أو قطيعة.
فقام الحوراني منذ العام 1937م بالعمل على تأسيس ما عُرف "بحزب الشباب" وكان من مؤسسيه السادة: عبد الستار بارودي (أميناً للسر) والدكتور فايز الأسود (أميناً للصندوق) وعثمان الحوراني وسعد الدين الخاني وأكرم الحوراني وعلي عدي وبدر الدين علوش وعبد الرحمن الشارع والدكتور نجيب عبد الرزاق والصيدلي عبد الحميد عدي (أعضاء).
وهنا لا بد من ذكر حادثة محاولة اغتيال رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب الذي عينه المفوض السامي الفرنسي "المسيو بيو" بتاريخ 8 تموز 1939م وكانت سمعته سيئة جداً لتعامله مع سلطات الانتداب بشكل مهين. وهكذا فكّر الوطنيون عثمان الحوراني ومنير الريس وجميل العلواني بالقيام بالعمل على اغتيال بهيج الخطيب رئيس حكومة المديرين، فقام المجاهد عثمان الحوراني باختيار ثلة من الشباب الحموي للقيام بهذه المهمة، ومن هؤلاء أحمد نايف العلواني وعلاء الدين الحريري والشيخ يرسف السفراني وعلي عدي وزكريا زينو وحافظ الباشا ونجيب الفرا ورامي الصابوني.. الخ.
ولكن المحاولة فشلت بسبب الخيانة وتفاصيل هذه العملية يلزمها مقال خاص طويل، والمهم في الأمر أن المجاهد عثمان الحوراني هرب مع جميل العلواني إلى العراق وتمت محاكمة الباقي بأحكام مختلفة، فيها مواقف رائعة من البعض، وبعد عدة أشهر من الحادثة وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية وزيادة عقد الأحداث تم إطلاق سراحهم.
وفي العام 1941م التحق عثمان الحوراني بثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق وتبعة مجموعات حموية مختلفة، منها راشد الكيلاني وعدداً من أبناء عمه ومجموعة من حي "الشمالية" بقيادة عثمان الآمين ومجموعة مدعومة من الزعيم الشعبي رئيف الملقي، ومجموعة قادها للعراق أكرم الحوراني.
ولما عاد عثمان الحوراني إلى حماة من العراق مارس التعليم والجهاد ضد الفرنسيين، وتنازل عن الترشيح للمجلس النيابي عن حزب الشباب لابن عمه أكرم الحوراني الذي بدأ نجمه يصعد في انتخابات 1943م.
ومن المفيد ذكره في هذا المجال، أن لائحة حماة الانتخابية كانت الوحيدة في سورية تدل على الوحدة الوطنية الكاملة من جميع الفئات المتصارعة، وقد لاقت إعجاباً عظيماً من قبل الشعب السوري بشكل عام ومن السياسين جميعهم بشكل خاص وعلى رأسهم رئيس الجمهورية شكري القوتلي. والأسماء للقائمة الوطنية الحموية الموحدة التي نجحت في انتخابات 1943م كانت: نجيب البرازي وغالب العظم ورئيف الملقي وأكرم الحوراني وفريد مرهج.
وأثناء ثورة حماة سنة 1945م على الفرنسيين كان عثمان الحوراني من المساهمين الرئيسيين في إنجاح ثورة حماة وحصار الثوار للفرنسيين في ثكنة واحدة، شأنه شأن الشيخ سعيد الجابي وأحمد الوتار وبدر الدين الحامد والمفتي الشيخ سعيد النعسان والمطران الوطني الكبير أغناطيوس حريكة ونخله كلاس وفريد العظم ووجهاء عددها كبير وناس عاديون لهم من الشجاعة تكاد لا تصدق، كالثائر "جواد العيان" الذي قام بإحراق العلم الفرنسي على مبنى المخابرات في حي "الجعابرة" ورفع العلم السوري.
أما بعد ذلك فقد ترأس عثمان الحوراني اللجان الخاصة التي تأسست للدفاع عن فلسطين وكان دائم المراسلة للمجاهدين لتأمين ما يستطيعه من مال وعتاد، كما نستدل على ذلك من مراسلاته للمجاهد حسن القطان في يافا.
وفي الختام لابد لي من أن أسجل للمجاهد والمربي عثمان الحوراني شهادة عظيمة لأديب البحرين "مبارك الخاطر" له ولإخوانه الذين ساهموا في مجال تطوير التدريس في البحرين إذ قال:
عثمان الحوراني.. يحتم علينا التسلسل التاريخي في تقديم نماذج من بواكير العلاقة الثقافية والأدبية بين بلاد الشام والخليج العربي أن لا نغادر عشرينات القرن العشرين دون إعطاء نموذج مهم في تفعيل تلك العلاقة.
فبحلول عام 1926م تبدأ مرحلة جديدة ووطيدة في إثرائها بوصول أول دفعة من الأخوة المعلمين العرب إلى الخليج. كانت تلك الدفعة سورية تتألف من الأساتذة والأدباء والشعراء وهم: عثمان الحوراني وعمر يحيى ومحمد الفراتي وزكريا البيات وسيد محمد عبد الهادي وفريد عفيفي.. وقد شكل الثلاثة الأوائل منهم تميزاً نضالياً في الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، حيث اضطروا لترك سورية إلى العراق ومنه إلى البحرين.
وحين حلوا كمعلمين في مدينة المحرق أخذوا يمارسون عملهم الثقافي والأدبي والاجتماعي داخل إطار التعليم وخارجه، حتى أصبح تأثيرهم الفكري والتربوي والسياسي والثقافي في مجتمع البحرين ذا وزن كبير.
وقد أصبح عثمان الحوراني مديراً لمدرسة الهداية بـ"المُحَرّق"، ثم مديراً لمعارف البحرين عام 1928م، وظل يعمل في تطوير التعليم فيها بهمة ونشاط، ولم يخرج منها مطروداً من الإنكليز إلا وكانت إنجازاته التعليمية والثقافية ملىء السمع والبصر. وكان من أهمها إرسال أول بعثة خليجية رسمية عام 1928م إلى جامعة بيروت الأمريكية، كما أنشأ جمعية "العروة الوثقى" وعن طريقها أشاع الثقافة والأدب.
كما طور المسرح المدرسي فعرضت عدة مسرحيات في المسرح التاريخي. وكان المربي عثمان الحوراني وراء نشأة أول تعليم حديث للفتاة في البحرين عام 1928م. بالإضافة لتأسيسه النادي الخليفي الرياضي عام 1928م.
وهنا لابد من القول أن المربي عثمان الحوراني ورفاقه أصبحوا في ضمير التراث الوطني البحريني، وليس أدل على ذلك إلا يوم تسفيرهم من البحرين من قبل الإنكليز فقد أضربت المدارس وأغلقت التاجر وطاف اّلاف المتظاهرين بالشوارع ينددون بقرار الإنكليز المستعمرين.
كان يوم 13 حزيران 1958م يوماً حزيناً على حماة وأهلها حيث فارق المجاهد عثمان الحوراني الحياة، فأغلقت المدارس أبوابها وانعدمت الحركة من الأسواق وشيع الحمويون رجلهم البار ومن حضر من المحافظات الأخرى وكانت جنازة مهيبة تليق بصاحبها الكريم.
أخيرا أقول عن نفسي أنه تربطني وابنه الدكتور المهندس معن الحوراني رابطة صداقة منذ العام 1956م، وما زلنا على تواصل، ودوماً أدقق معه المعلومات عن والده العظيم، وكنت مع معن دائم التواصل وأذهب الى بيته وهو كذلك يفعل، وقد رأيت مكتبة الأستاذ عثمان مرات عديدة وأذكر اني استعرت كتاب يسمى "الدولة العربية الواحدة" لمؤلفه أمين سعيد.
أخيراً أقول هؤلاء رجالنا، رجال عصر النهضة العظام، عملوا ما بوسعهم ولو تتبعنا تفاصيل نضال عثمان الحوراني وأمثاله بتفاصيل كاملة لهالنا الأمر، ولأخذنا العجب العجاب.. رحم الله المجاهد والمربي الفاضل عثمان الحوراني.