ملاحظة صغيرة على هامش مشاريع الاستثمار السعودية السورية
2025.07.24
شعبان عبود
سوريا دولة متعبة، السوريون منهكون، الحرب أنهكت الجميع، لذلك فكل ما يتعلق بإعادة بناء الدولة، إعادة الكهرباء، بناء المستشفيات، المدارس، الجامعات، المصانع، الطرقات والمواصلات.. كل ما يتعلق بالاستثمار في سوريا، هي أخبار تُثلج الصدر، لكن دعم الدولة السورية شيء يختلف عن دعم حزب أو مجموعة حاكمة، الدولة، المؤسسات، الجامعات، المصانع، هي لنا جميعاً، أما الحزب أو الجماعة الحاكمة فهم شيء آخر، هم يذهبون، هم يخطؤون، ينهبون، يسرقون، يقتلون، وقد يهربون، بشار الأسد ونظامه الحاكم فعلوا ذلك، هم ذهبوا، والدولة بقيت، هم ذهبوا وسوريا بقيت، هم ذهبوا والسوريون بقوا.
لذلك فإن الإعلان عن اتفاقيات استثمار سورية سعودية بقيمة نحو 6.4 مليار دولار، هو خبر سار لجميع السوريين. السوريون يستحقون الحياة . وسوريا دولة تستحق الحياة.
من جملة المشاريع التي تم الاتفاق عليها و أبرزها كان مشروع «أبراج دمشق» في منطقة البرامكة، وهو عبارة عن مجموعة من ناطحات السحاب بقيمة تقديرية تبلغ 400 مليون دولار. شيء عظيم. لكن أنا شخصياً على الأقل، من الناس الذين لا تغريهم الأبراج العالية، أنا إنسان يغريني المشي في أزقة وشوارع دمشق القديمة وحاراتها، عند تنفيذ أي مشروع في دمشق يجب أن ننتبه جيداً، علينا ألا نخدش حجرة عمرها ألف سنة، علينا ألا نهدم بيتاً فيه ألف حكاية، دمشق يجب أن نبنيها بالحب لا بالحديد والأسمنت.
ذات يوم بعيد أتاني عقد عمل للعمل في صحيفة ما في دولة خليجية، وافقت، منذ اللحظة الأولى لوصولي انقبض صدري، لم أستطع أن أحبّ الأبراج العالية، وكتل الحديد والأسمنت والزجاج الشاهقة، أنا انتمي لثقافة مختلفة، إلى بيوت متواضعة، بيوت تحوي شرفات لاحتساء القهوة صباحاً، بيوت صغيرة وطيبة تنتشر فيها تنكات الحبق والجوري والزنبق. بقيت أشهر قليلة هناك وغادرت راجعاً دون أي ندم إلى دمشق.
قبل الأبراج العالية ربما علينا اليوم أن نفكر جيدا كيف نستثمر بالإنسان نفسه، اليوم الكل يكره الكل، وفي كل بيت هناك سلاح، وعند كل طائفة أفكار مخيفة عن "الآخر"، أفكار وقناعات تعبر عن مجتمع بات يكره نفسه ولا يعرف الحب، مجتمع متعب جدا ومريض جداً.
ربما علينا الاستثمار في المقاتل الذي يستسهل القتل، الذي يصوّر قتله لأخيه كما لو أنه يصوّر مقطعاً له وهو يتسوق في "المول".. علينا الاستثمار فيه بحيث يتعلم ونشرح له ماذا يعني "وطن" وماذا يعني "مواطن" وماذا تعني كلمة "سورية".
قبل الأبراج العالية علينا الاستثمار في المدرسة، بكتاب المدرسة، أن نضع منهاجا يتضمن الذكاء الصناعي لا ماذا قال الشيخ الفلاني، منهاجا يمكننا من العيش في المستقبل، لا منهاجاً يعيدنا للماضي، ويستبدل الجمل بالطائرة.
قبل الأبراج العالية، هناك عمل طويل للإنسان وعن الإنسان. غير ذلك فنحن لا نفعل سوى أن نضع كتلاً من الخردة والحجارة والأسمنت والحديد.
