كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بيدرسون و"الخطوات" المتعارضة!

أحمد حسن- فينكس:

مرة جديدة يعود "غير بيدرسون" إلى دمشق لمتابعة مقاربته التي يدعوها "خطوة مقابل خطوة" واستكشاف فرص عقد جولة جديدة للدستور، هي السابعة حتى الآن.
جوهر مقاربة الرجل، وإن لم يقلها علناً، يتمثّل بوجوب انطلاق الخطوة الأولى من دمشق ثم تأتي خطوة من الآخرين.. وهكذا دواليك، لكن "خُطا" الواقع، والآخرين جميعاً، تتجاوز مقاربته وتسبقها بأشواط.
واشنطن مثلاً، وهي زعيمة الفريق المقابل، لا زالت تسير بـ"خطا" متلاحقة في مسار مفترق عن مسار "بيدرسون"، وقد أنجزت مؤخراً، وخلال أيام قليلة، ثلاث "خطوات" حاسمة، أولها، البدء في إقامة قاعدة عسكرية جديدة في مدينة الحسكة على "تلة" الركام والدمار الذي تسببت به طائراتها في مسرحية "الهروب الكبير" من سجن "غويران"، وثانيها، مواصلة تحضير أذرعها الميدانية لأعمال تخريبية في المدن السورية، أما ثالثة الأثافي كما يقال، فهي إنجاز مسودة "دستور" جديد، عبر ذراعها "قسد"، لمنطقة شرق الفرات التي تضمنها ولايته الأممية وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من سورية وبالتالي من مهمته، وفي ذلك استهتار كامل بالرجل ولجنته الدستورية!!، فكيف سيخطو "جورج واشنطن" في خطوة دستور سوري جامع فيما هو ينشئ دستوراً تقسيمياً لمنطقة محددة في اللحظة ذاتها؟!
وبالطبع لا داع للقول إن الأطراف المحلية السورية، بكامل تلويناتها رفضت، ومنذ زمن، المقاربة "البيدرسونية" بأسرها، فيما نقلت موسكو، وحسب تسريبات مصادر خاصة لصحيفة الوطن السورية، دور "قاعدة حميميم" من "مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب لتكون عسكرياً رأس حربة في حوض المتوسط والاشتباك الدولي الروسي الغربي".
إذاً، الأطراف المعنيّة كلها تسير بعكس "خطوات" الرجل. الوقائع الباردة أيضاً تتجه حثيثاً نحو معاكسته، فعلى سبيل المثال تعاني اللجنة الدستورية ذاتها، كما يعرف الجميع، من "خطيئة مؤسسة" تتمثّل في تبعية قسم كبير منها لأجهزة مخابرات متنوعة ومختلفة ومتضاربة، بعضها يريد من أتباعه في اللجنة تثبيت احتلاله الجغرافي لأراض سورية -بألعاب دستورية معروفة-، بعضها الآخر يطمح باحتلال سياسي للدستور السوري العتيد يضمن تحقيق أطماعه كاملة.
"ندوة" الدوحة الأخيرة لأطراف المعارضة كانت تعبيراً بيّناً عن هذا الصراع "الأخوي" بين الرعاة.
وأكثر من ذلك، "اللجنة" بحد ذاتها هي ابنة، بصورة ما، للقرار "2254" بزمنه الدولي وظروفه السياسية والميدانية الفائتة، فيما تشكيلها الحالي هو ابن توافق "أستانا". الآباء ذاتهم تغيروا، وبعضهم أصبح من الماضي. الواقع الدولي أصبح في مكان آخر. الواقع السياسي والميداني السوري كذلك. "بيدرسون" يعي ذلك جيداً، لكنه لا زال متمسكاً بـ"الأمل" وبـ"المهمة" وهذا حقّه، فهو يعرف، كدبلوماسي "عتيق" أنه قد يستفيد في لحظة ما من "الواقع الجديد" ليرعى مقاربة جديدة وإن تحت التسمية السابقة ذاتها.
لكن ماذا عن حقّنا نحن، وبعيداً عن "خطوات" الرجل، الملتبسة بطبيعة الحال، هنا ولأنه يجدر الحذر من "دور" كلّ، وأيّ، "مبعوث" أممي، لا بد من إعادة التأكيد، وإن أصبح الأمر مكرّراً ومملّاً، على أهمية الحوار السوري - السوري الشامل، في الدستور أو في غيره، لأنه الحلُّ الأمثل لحلِّ الأزمة، وذلك يفترض بالجميع وعي الواقع والسعي إلى تلاقي "خُطاهم" سوريّاً، وإلا سيجدون أنفسهم يوماً ما تحت حكم دستور مفروض عليهم، وهو بطبيعة تجارب الأمم السابقة، سيكون دستوراً مفخّخاً بكل عوامل الأزمات المستدامة والمتكرّرة بصورة دورية لا يمكن الفكاك منها أبداً، وتلك هي الكارثة.