كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نحو جامعة عربية تستعيد ثقتنا

عبد الله منيني- فينكس: 

تأخرت قليلاً في ابداء وجهة نظري الخاصة حول الجامعة العربية، وفي ما دفعني أن أكتب هذا الرأي هو ما جاء في الكلمة التاريخية للسيد الرئيس في قمة جدة حول الجامعة العربية، وأقتبس (هنا يأتي دور جامعة الدول العربية باعتبارها المنصة الطبيعية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها عبر مراجعة الميثاق والنظام الداخلي وتطوير آلياتها كي تتماشى مع العصر، فالعمل العربي المشترك بحاجة إلى رؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة نحولها لاحقاً إلى خطط تنفيذية، بحاجة إلى سياسة موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة، عندها سننتقل من رد الفعل إلى استباق الأحداث وستكون الجامعة متنفساً في حالة الحصار لا شريكاً به، ملجأً من العدوان لا منصة له.)
(الذاكرة الحية)
من حقي كمواطن سوري أن أستحضر اليوم أفعال الجامعة العربية عام 2011 وحتى تاريخ العودة لصوابها والتراجع عن قرارها الذي أرهق دماء الآلاف من أبناء الشعب السوري المظلوم، ومن لم تقتله نيران الارهاب قتلته أدوات العقوبات و الحصار، ولن أنسى يوماً إن أخطر منعطف في الأزمة السورية هو أمر العمليات الأمريكي لأزلامها في  الجامعة حينها بأن ينوبوا عنها في تنفيذ مخططها لإسقاط سورية وقائدها الشجاع وشعبها المقاوم المنيع، وهذه الاستجابة المذلة والمشينة التي لم يشهد لها تاريخ أية أمة مثيلاً، سواء في تعليق عضوية سورية أو في فرض العقوبات عليها، وبعيداً عن تأثيرات هذه العقوبات على شعبها، إلا أن المخزي فيها، وكلها خزي على أصحابها وعار، هو مبدأ القبول بها والتباهي بها وليس ذلك احتقاراً للشعب السوري وكرامته فحسب، بل هو اعتداء صارخ على الشعب العربي وكرامة كل مواطن عربي.
ورحم الله أبا سلمى حين قال:
دول تحسبها شرقية
وإذا أمعنت فالحاكم غربي
يوم هزت للوغى راياتها
حكمت فيه على تشريد شعبي
لقد شردت شعبنا الفلسطيني عام 48، وأسهمت في احتلال وطننا العراقي وأسهمت، ولما تزل في لبنان الأبي وليبيا المكلومة واليمن الجريح، وإذا كانت هذه الجامعة قد فعلت ما فعلت بحق سورية يوماً  فلا بد أن أستثني العراق الجريح ولا بد أن أستثني لبنان، وهذان استثناءان لأنهما اكتويا بنيران هذه الجامعة، فما كان لهما أن يقفا معها في مواقفها المشينة.
وكم أحزننا حينها (2011) أن تكون مصر في صف العقوبات بكل تاريخها العظيم في إنجاز الجلاء وهزيمة العدوان الثلاثي وهي التي وقفت معها سورية جول جمال، وفي حرب 1973 والمشاركة فيها سورية من قبل ألفها إلى ما بعد يائها.
وكم احزننا ايضاً انا ذاك أن الجزائر التي واجهت فرنسا بمليون ونصف المليون شهيد صنعوا الاستقلال مدعومة من سورية والأمة، وقفت أمام القزم القطري المتورم بمال النفط والغاز، ونقول لها وللسودان المحاصر بالنفوذ الصهيوني ولموريتانيا التي حررت بلدها من سفارة العدو الصهيوني أيضاً، نقول لهم: لا تحسبوا الشحم فيمن شحمه ورم، فإن شحم مواطنيكم هو الشهامة والكرامة والشمم والإباء والإصرار على دحر كل عدوان عنهم وعنكم وعن هذه الأمة. 
- وإذ أستذكر كل ذلك وذاك، فأنا لن اؤمن بعد اليوم بالجامعة العربية وتجديد الثقة بها إلا اذا كانت جامعة تقف ضد التدخل الخارجي في شؤون أي قطر عربي، لا بل في شأن أي مواطن عربي.
- جامعة تسعى للتضامن والعمل العربي المشترك تكون طوق نجاة للأمة بمختلف أقطارها من مخططات وخطط الأجنبي وأدواته لتمزيق الأمة وقواها.
- جامعة تعمل على رفع الحصار الجائر على سورية وكسر طوق العقوبات القسرية احادية الجانب عنها.
- جامعة يعتصم الجميع من خلالها بالوحدة الوطنية.
- جامعة تعمل على تكريس الحوار الوطني الجاد والشامل سبيلاً إلى حل كل المشكلات الداخلية.
- جامعة تصوب البوصلة التائهة، بوصلة فلسطين، ليس لأنها فلسطين فحسب، بل لأنه لا مستقبل ولا استقرار، ولا تقدم ولا إزدهار ولا عافية للأمة مادامت فلسطين جرحها الراعف.
- جامعة تحرر فلسطين بأقصاها وقيامتها وجميع مقدساتها وتحرر سائر الأراضي العربية المحتلة من سبتة ومليلة في المغرب حتى مايوت في جزر القمر مروراً بالجولان المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في لبنان تحررها بالجهاد والمقاومة التي دأبت عليها وأثبتت نجاعة أمام الناس وأمام العالم كله، وهذه المقاومة هي المستهدفة اليوم وعامودها الفقري هو تلك القلعة الصامدة بقيادة القائد القومي بشار الاسد  الذي قال لا، وأدمن "لا" برغم كل الاغراءات وكل الاغواءات وكل التهديدات.
- جامعة تلتقي فيها كل التيارات الفكرية والعقائدية والاتجاهات السياسية، لا إقصاء ولا استبعاد إلا في ضوء الالتزام بثوابت الأمة وأهدافها الكبرى. 
- جامعة تتنافس فيها هذه التيارات فيما بينها، بل حتى وتختلف، لكن من أجل تحقيق هذه الأهداف لا على هذه الأهداف، تختلف من أجل الوطن والأمة، ولا تختلف على الوطن ولا على الأمة، لنفوت جميعاً على العدو وأدواته سبل التسلل إلى صفوفنا، هذا العدو الذي يتغذى بالاحتراب فيما بيننا. وكما كانت تعمل جامعة العرب المختطفة مكرسة الشعار الاستعماري الذي ضرب عميقاً في أحشاء الأمة (فرق تسد)، فإن هذه الجامعة العائدة اليوم لعروبتها مطلوب منها أن ترفع شعار (البنيان المرصوص)، ومفهوم (أشداء على الأعداء رحماء بينهم).
- جامعة بهذا تحمي الأمن القومي العربي وتصونه.
- جامعة تقدم، في ضوء ما سبق، المبادرات لحل الأزمات والخلافات في القطر الواحد، أو بين الأقطار العربية وتنجز المصالحات التاريخية التي تمكن من الانصراف قطرياً لكي يبني كل قطر ذاته في إطار التعاون والتكافل، والوصول أخيراً إلى بنيان متكامل ينهض بالأمة من وهدة الفساد والاستبداد والتبعية التي أغرقتها فيها أنظمة الجامعة العربية.
- جامعة تعرف أصدقاءها فتعزز علاقاتها بهم، وتعرف أعداءها فلا تضل أمام وهم صداقتهم، فلتواجههم بقوة شعوبها، لا تخلط أبداً بين العدو والصديق.
جامعة تستلهم من سورية وصمودها  قيادة وشعباً، كل عمل يخدم الأمة ويعزز بناها الوطنية والقومية ويعيد لها الدور الاقليمي والحضاري والانساني، أن تكون رائدة في الاستجابة إلى هذه الدعوة.
على التائبين ان يعلموا أن الهجوم على سورية في الأمس واليوم وغداً هو هجوم على موقع المقاومة كله من فلسطين إلى سورية إلى العراق إلى لبنان إلى إيران، إنه موقع حصين وينبغي أن نزيده تحصيناً، هذا الخط هذا الحاجز الذي وحده يصد عن أمتنا جمعاء جائحة هذا العدوان.
أن حماية سورية ونصرتها حماية للمقاومة وحماية المقاومة حماية لفلسطين وحماية فلسطين حماية للأمة وحماية الأمة هي التي نواجه بها المشروع الأميركي الصهيوني.
فإن مشروع خلق الفتن الداخلية، ووصول الأعداء إلى التجزئة من الخارج هي عنوان هذه المرحلة من الصراع بين مشروع الأمة النهضوي ومشروع العدو الأجنبي بكل أدواته في الخارج والداخل، وأستذكر وإياكم ما قاله المفكر والسياسي اللبناني، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه انطون سعاده
في هذه المنطقة مشروعان، لا يمكن أن يتعايشا المشروع القومي والمشروع الصهيوني ولا بد أن يهزم أحدهما الآخر.
وإذا كنا نقول لأنطون سعاده أجل هزمنا في القرن الماضي، فإنا لنقول له إن العقد الأول من هذا القرن يبشر بالانتصار منذ 2000 والـ2006 والـ 2008-2009 وهذه الأيام المجيدة التي نعيشها بانتصار سورية الشام اليوم .
هي ذاكرتي الحية التي جعلتني أستعرض دور الجامعة العربية عام 2011 علها تستطيع أن تستعيد ثقتنا بها كشعوب عانت ما عانته.
واذ ذكرت أدوار الدول حينها كنوع من استحضار التاريخ الذي لا ينسى.
فأنا اليوم أشكر الجزائر والامارات والاردن والسعودية والعراق وكل الدول التي انتصرت للحق والحقيقة ولو طال الزمان.