كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

جبور عن سلطان باشا الأطرش

قراءة  في النداء الاول لقائد الثورة السورية الكبرى، سلطان الأطرش

ورقة كتبت بدعوة من "ندوة حرمون الثقافية"، بقلم:
الاستاذ الدكتور جورج جبور- فينكس
الرئيس الفخري، الرابطة السورية للامم المتحدة،
وسابقا: مستشار رئاسي وعضو في مجلس الشعب
اولا: كلمات افتتاحية: 
احييكم واشكر الاستاذ هاني الحلبي على دعوته الكريمة لي الى هذه الفعالية. بمثل ما نقوم به اليوم نزداد قوة وحيوية وعنفوانا. 
في اساس التكرم بتوجيه الدعوة الي لاكون شريكا لكم اليوم امر استوقفني. انه الاقتران الممنهج الجميل في ما يرسله صاحب الدعوة بين الثورة السورية الكبرى وبين الحزب السوري القومي الاجتماعي وبين حرمنا هذا المقدس “حرمون". لهذا الاقتران الثلاثي الرائع درته، بل ذروته الشامخة التي يرتفع اليها نظر الجميع، الا وهي دمشق، عاصمة سورية وسوريا، بالهاء وبالالف، عاصمة بلاد الشام، عاصمة العروبة الحضارية الجامعة مكارم الاخلاق كما تجلت في تجديدها "حلف الفضول". أحييكم من دمشق. اكلمكم من دمشق. 
ثانيا: المرتكزات الفكرية في الييان الاول الصادر عن القائد العام للثورة:
 اتحدث عن اول وثيقة اصدرها قائد الثورة، سلطان الأطرش. هي “نداء الى السلاح“. ذلك عنوانها. الابتعاد عن المهادنة هو الصوت الصارخ. فما هي المرتكزات الفكرية التي اوجبت اللجوء الى السلاح؟ 
المرتكز الاول: الكرامة. المهانة تلغي المهادنة. طلبنا تغيير حاكم الجبل. لم نطلب معاقبته. لم نطلب جلاء الأجنبي. طلبنا متواضع. "غيروا الحاكم الاحمق!". لم يفعلوا. مسوا كرامتنا، اذن فلا بد من السلاح.
ومن هم الذين يناديهم قائد الثورة؟ هم في ثلاثة مقاطع متتالية، احفاد العرب، هم السوريون، هم العرب السوريون. كل اؤلئك واحد. لا انكار للعروبة. لا انكار للسورية. بعفوية البديهة جمع في مخاطبته الثالثة التركيب الى الاطروحة والطباق. اراحنا، في العشرينات، مما هو غير بديهي. لم يقف في مفاضلة بين عرب وسوريين. اليس من الواضح اننا عرب وسوريون بل عرب سوريون؟ عرب كلمة اولى. سوريون كلمة ثانية. هكذا نادى ثم توقف. لم يذهب الى كلمة ثالثة مغرية رغم ان من يخاطبهم هم تجسد عياني لها. هي كلمة من احرف قليلة كتلك التفاحة في الجنة، صغيرة ومغرية ومحرمة. وكلنا من بني معروف. وسلطاننا هو القائد العام للثورة السورية الكبرى.
 اكتب في اذار 2023 وما يشغلني يشغلكم: وحدة الدولة السورية. كم احب ان اقارن بين اسلوب سلطان الاطرش في المخاطبة وبين اساليب من سبقوه او عاصروه من كبارنا: صالح العلي وابراهيم هنانو وعبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وغيرهم. الوثائق موجودة. التنوع في المخاطبة مقبول ان وجد وله دواعيه، له قدرته على الحشد النفسي، وافضل منه غيابه. والمهمة لباحثين شباب ارجو ان نتوافق جميعا على ما استقر عندي منذ عقود ولاسيما منذ ذلك الاذار القاسي عام 2011. ما استقر هو هذا الشعار – الحكمة: "فلنكتب التاريخ بيد المستقبل". نريد وحدة الدولة السورية؟ فلنوحد السردية، تاريخية كانت او معاصرة، ولتكن سرديتنا صادقة مصدقة معا، تغذي الوحدة.
خاطب قائد الثورة احفاد العرب والسوريين والعرب السوريين. خاطبهم هكذا بالجمع. لم يذكر كلمة توحد من جهة وتستثني من جهة اخرى. كأنه تلمس فيها محذور ابقاء احد ما خارج المتحد. تجنبها بالمطلق تقريبا. هل فعلها عامدا متعمدا؟ هو، في الأرجح بما فطر عليه من حس قيادي، ادرك ان المخاطبة بالجمع أفعل. هي المخاطبة الجامعة.
والدين. اين مكانه في النداء؟  هو فيها دعوة الى الجهاد. هو فيها وحدة في الحق، فارادة الشعب من ارادة الله. هو فيها كلها في جوهره: موح، محفز، شاحذ للعزم، هاديء متمكن مطمئن بعيد عن البهرجة. دين ما احوجنا اليه. اليس سلطان الاطرش هو اكثر من اقترن اسمه من السوريين  بالشعار الوطني الشهير: "الدين لله والوطن للجميع"؟
يخاطب العرب السوريين، ثم تتتالى مناشدات الحث على التصدي للاجنبي، معتمدة التاريخ والدين والكرامة، ومقولة ان الحق يؤخذ ولا يعطى.
كذلك نلمح في الاسطر الاولى من النداء اثر الثقافة العالمية في فكر قائد الثورة: "هذا يوم انتباه الامم والشعوب". ثم بعد قليل: "وان الامم المتحدة الناهضة لن تنالها يد البغي". في كل ذلك صدى مفاهيم اتت بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، وبلورتها نقاط ويلسون التي حظيت باعلام شعبي واسع. 
وهنا مكان نقطة معترضة لا بد منها عندي كلما  ذكر ويلسون. بلغ من نجاح العملية الاعلامية الامريكية في التاثير علينا فكريا بعد الحرب الاولى، ولاسيما في الترويج للشخصية المثلى الرئيس ويلسون التي رسمت على انها قمة السمو، بلغ من نجاح تلك العملية الاعلامية  ان جريدة الحكم الفيصلي في حلب، واسمها: "حلب"، وصفت ويلسون في احدى افتتاحياتها انه "الوالد الثالث للبشرية بعد ادم ونوح". جعلته قبل موسى وعيسى ومحمد. الجريدة في مكتبة جامعة حلب ولدي صورة عنها. ثم بالطبع نعلم ان ويلسون هو واحد اثنين، مع بلفور، في تلك الوثيقة الغبية فكريا، القاتلة المجرمة عمدا او قصدا او جهلا والى وثيقة "وعد بلفور" أشير. ثم ان من تطورات السنوات الاخيرة بشان ويلسون ان تماثيله وصوره تتم ازاحتها من مواقعها في الجامعة التي كان رئيسا لها، لان نزعاته العنصرية ضد المتحدرين من اصل افريقي غدت موضع علم عام. 
اعود الى وثيقة "الى السلاح". قالت الوثيقة ان الامم الناهضة لن تنالها يد البغي. فما هو البغي؟ تقول الوثيقة: "لقد نهب المستعمرون اموالنا واستاثروا بمنافع بلادنا". ذلك كلام عام ما يلبث ان يوضح: "اقاموا الحواجز الضارة بين ابناء بلدنا الواحد، وقسمونا الى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر حتى في بلادنا واقاليمنا."
واذ يصل النداء لى هذه النقطة، فانه يتوسع في الشرح موضحا ما كان سببا مباشرا للثورة:
" يا ويح الظلم! لقد وصلنا من الظلم الى ان نهان في عقر دارنا، فنطلب استبدال حاكم اجنبي محروم من المزايا الانسانية باخر من ابناء جلدته الغاصبين، فلا يجاب طلبنا، بل يطرد وفدنا كما تطرد النعاج!".
ثم اليكم هذا الكلام الخطير التالي الذي قد يستحق ان يبحث بجدية، والذاكرة سلاح: 
حادثة عدم الاستجابة لطلب حق متواضع اتذكرها منذ عهد التلمذة في الاربعينات، لكنها – ربما – ربما تاخذ اليوم، وانا اتكلم بعد 12 عاما من اذار 2011، بعدا اخر خطيرا  يستحق مزيدا من البحث.
هل احب منظمو المؤامرة على سورية ان يستفيدوا من زخم حادثة الاهانة، زخم ممتد تاريخيا في اذهان سكان الاقاليم الجنوبية من سورية، فزيف اعلامهم اصلا لـ"ثورة التهور والتآمر" مشتقا من حادثة تماثلها، جوهرها، جوهر الحادثة، احتجاج في اذار 2011، على محافظ لم يرض المحتجين اسلوب استقباله لهم، هو محافظ درعا، المدينة التي هي شقيقة السويداء في "نجومية" جنوبي الدولة؟ واختها في رهافة الذاكرة التاريخة؟ هل احبوا ففعلوا ونجحوا؟
واذ يوشك النداء ان يختتم، فلا بد من توضيح المطالب، وهي ثلاثة متوقعة اوردها هنا بحرفها، و لها رابع بارع .
1. وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالا  تاما.
2. قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التاسيسي لوضع قانون اساسي على مبدا سيادة الامة سيادة مطلقة.
3. سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتاليف جيش محلي لصيانة الامن".
اذن، واضحة هي المطالب، جذرية لا تقبل المساومة، اكثر جرأة من مطالب الوطنيين بعد الاضراب الستيني، لان الوفد الذي ذهب يفاوض في باريس كانت المعاهدة همه. أما هنا فلا معاهدة بما في الكلمة من مهادنة.
ثم لو كان ورد في البيان: "تأليف جيش وطني"، لكنا اكثر امتلاء. وبالتأكيد، لم يخطر في بال صاحب النداء الا ان يكون الجيش وطنيا بكل معنى الكلمة.
يبقى المطلب الرابع البارع، وهذا نصه:
4. تأييد مبدا الثورة الفرنسوية وحقوق الانسان في الحرية والمساواة والاخاء".
هو بارع لانه تقريع لفرنسا. نطلب منك، ايتها الدولة الظالمة، ان تحترمي نفسك. انت تحكميننا، لكننا، نحن، نحاكمك.. ذلكم موقف جريء، كله وعي ومسؤولية، جوهره بصقة مستحقة في وجه المستعمر: "انت كاذب".
ثالثا: كلمات ختامية: 
يلاحظ ان مطالب البيان الاول تمثل جوهر الفكر السياسي في سورية. وحدة البلاد اولا. ثم ثانيا، كيان الدولة التنظيمي المضبوط بموجب دستور. وثالثا: لا بد من خروج الاجنبي. هي مطالب بدات بالتحقق مع انتهاء المقاومة المسلحة كما قادتها الثورة السورية الكبرى. وزارة 1926 شاهد اول. ثم انتخابات المجلس التاسيسي عام 1928 وصياغته لمشروع الدستور، شاهد ثان، والتفاصيل كثيرة. 
ثلاث نقاط تلح علي قبل ان اختم باقتراح:
1- حددت المادة الثاية من مشروع الدستور الدولة  المنشودة بانها - واكتب الان من الذاكرة - "البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية". دولتنا كما رأيناها عام 1928 هي: سوريانا، سوريا الطبيعية. 
2- ثمة لا ريب احصاءات لعدد شهداء النضال السوري ضد الاستعمار الفرنسي. لم اعد الى المصادر. يخيل لي ان  عدد الشهداء الذين ارتقوا في الثورة السورية الكبرى هو الاكبر على الاقل، نسبيا، ضمن المدة التي استمرت فيها الثورة. هل من موضح مدى صواب التخيل؟
3- كيف انتقلت مواضع العنف الثوري ضد المستعمر الفرنسي  منذ الغزو الفرنسي، حتى  الثورة السورية الكبرى ثم الى ما بعد ذلك وحتى مجزرة مجلس النواب عام 1945. صالح العلي اولا ثم ابراهيم هنانو ثم الثورة السورية الكبرى ثم هنا وهنك وهنالك وصولا الى مجزرة مجلس النواب عام 1945. هل لدينا خارطة  دم جغرافية تاريخية؟ 
اما الاقتراح  فهو التالي. كل الشكر لندوة حرمون وللدكتور هاني الحلبي.. ان اوان ان تاخذ دمشق زمام المبادرة في انشاء هيئة خاصة بمئوية الثورة السورية الكبرى، متعاونة في ذلك مع هيئات سورية ولبنانية واردنية وفلسطينية، بل ومتعاونة ايضا مع هيئات دولية اهمها الروسية. لن ننسى تعاطف لينين مع الثورة السورية. اقترب موعد المئوية. حي على خير العمل. 
دمشق. 19 اذار 2023