كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

اللواء بهجت سليمان.. الفارس الذي لا يعوّض

أبي حسن- فينكس:

تواصلت معه للمرة الأولى، عبر الفيسبوك، آواخر العام 2014؛ كنت أسمع باسمه منذ مطلع عام 2000، إذ كان يرد ذكره دائماً على ألسن المثقفين السوريين (الذين أخالطهم) من موالاة و معارضة.. و لاحقاً صرتُ أقرأ له في صحيفة السفير اللبنانية بعض المقالات التي يساجل فيها طروحات بعض المعارضين الوطنيين.
بحكم تأثري بالوسط المعارض، في مرحلة من مراحل العمر، لم يكن لدّي مشاعر ايجابية تجاهه (صدق من قال: الانسان عدو ما يجهل).. عندما راسلته عبر الفيسبوك، فاجأني بردّه السريع لي، و بلطفه منقطع النظير، و بأدبه الجمّ! إلى درجة تساءلت معها بيني و بين نفسي: "هل هذا هو الشخص الذي كان يتناوله بعض فتيان الناتو و خصيانه سلباً على مسمعي؟!".
كنتُ أعاني من مشكلة مع إحدى الجهات، و كان هو قادماً -بدرجة شرف- من الأردن كسفير غير مرغوب به لدى مملكة الارتهان للخارج، لبى طلبي دون أن يفاتحني حول أي كلمة كتبتها -جوراً و بهتاناً- بحقه في السابق، و دون مقدمات بتّ أشعر أن هذا الرجل من أقرب الناس إليّ..
عندما عرفته أكثر، ازداد احترامي له، كما تضاعف اعجابي به، إذ كان يقوم بمفرده بأعمال تحتاج إلى أربع وزارات، و ليس سرّاً القول إن دوره الشريف و النبيل طوال سنيّ الحرب الجائرة على وطننا كان أجدى و أنفع من عمل وزارة الاعلام؛ و حقيقة لا أعرف متى كان يجد الوقت الكافي للراحة فيه من عناء العمل!
من خلال معرفتي به، بتُ أشعر أكثر بقيمة الوفاء و أهميته، إذ كان رحمه الله مدرسة في الوفاء، إضافة إلى نبالته و سخاء كفه و فروسيته و صدقه مع الذات و الآخرين..
كنتُ أتساءل: ما الذي يدفع بهذا الرجل لخوض غمار الدفاع عن سوريا، و هو متقاعد وظيفياً، عبر صفحات الفيسبوك و بعض المنابر الإعلامية الأخرى، لو لم تكن الفروسية و النبل و الوفاء و غيرها من صفات حميدة متجسدة بشخصه و بأسمى معانيها! إذ كان السيف الدمشقي المنافح عن وطنه، في وقت كان فيه غالبية المسؤولين السابقين ينعمون و أولادهم (في داخل سوريا و خارجها) بما جنوه من خيرات الوطن، غير آبهين بمرارات وطنهم و أبنائه طوال سني الحرب..
كان تقييمه للآخر، أياً كان، ينطلق من موقف وطني بحت، فمن صادق سوريا كان صديقه، و العكس صحيحا..
كثيراً ما حاربته إدارة الفيسبوك، من خلال تعطيلها المستمر لصفحته الشخصية، و ذلك على خلفية مواقفه المترعة بالوطنية. و لم يمنعه ذلك من متابعة مسيرته و نشاطه، إذ كان دائماً يبتكر الطرق لإيصال صوته و بالآتي صوت بلاده.
سألته ذات لقاء: يتهمك البعض بأنك  خلال وجودك في إحدى الأفرع الأمنية، خصصت دورية وظيفتها تعقب الشاعر الراحل ممدوح عدوان كنوع من الإزعاج له؟ فأجابني: الأديب ممدوح عدوان رحمه الله صديقي، و أكنّ له محبة و احتراماً كبيرين هو و صهره الدكتور الراحل حامد خليل. و يضيف قائلاً: فاتحني ممدوح بذلك الازعاج، و تعاطفتُ معه، و سأقول لك من خصص تلك الدورية لكنه ليس للنشر الآن لسبب بسيط ألّا و هو إن المسؤول الذي خصص الدورية مريض جداً حالياً و ليس من اللائق ذكر اسمه.. و كان الشخص وفق ما ذكر لي يومها الراحل الكبير (أبو المجد) هو المرحوم اللواء محمد ناصيف (أبو وائل) رحمه الله، و حين روى لي أبو المجد ما رواه كان أبو وائل يشكو من المرض العضال إلى أن توفاه الله 28 حزيران 2015. قال لي د. بهجت بالحرف: "هو ابن منطقته اللواء محمد ناصيف شفاه الله، لكن من غير اللائق ذكر اسمه و هو في وضع صحي حرج الآن".
عندما فقدت شقيقي آواخر عام 2016، سرعان ما اتصل بي معزياً، و فتح معي حواراً انسانياً حول شقيقي الغائب، يعكس مدى اهتمامه بمن حوله، في وقت لم يكلّف بعض "الأصدقاء" المقيمين في طرطوس عناء الاتصال للتعزية!
و أسمح لنفسي هنا بذكر بعض المكارم الإنسانية للراحل الكبير: عندما تناوله (قبل نحو العامين) المأفون المدعو نزار نيّوف، كتبت مقالاً أدحض فيه مزاعم المأفون المذكور، فأفاجأ برسالة تردني على الخاص من إحدى السيدات الصديقات لي في صفحتي، و من جملة ما كتبته لي: "كان والد زوجي يخدم عند الدكتور بهجت، و هو متقاعد منذ زمن طويل، و وضعه المادي صعباً، لكن الدكتور بهجت ظل يرسل له مساعدات مالية شهرية طوال 25 عاماً"، لم أذكر هذه الحادثة في حينها احتراماً لحرمة الفضل و المعروف، لكن أجد من واجبي ذكر ذلك في غياب صاحب الفضل.
لم يكن رحيله، غير القابل للتعويض، خسارة لسوريا فقط، بل هو فاجعة لجميع المؤمنين بالقضايا العادلة لأمتهم من المحيط للخليج، و هذا ما عبّر عنه أصدقاء كثر في موريتانيا و تونس و مصر.. الخ، و بعضهم كتب لي و الألم و الحزن يعتصرانه على غياب تلك القامة التي يتشبّه السنديان بها و بشموخها.
وإن غاب عنا عياناً إلا انه يبقى بما مثله من منظومة قيم, وطنية و إنسانية, فارساً لم و لن يترجّل.
بهجت سليمان، و باسمك الكبير، سلام الله عليك يوم ولدت و يوم ارتقيت و يوم تبعث حيا.