كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المظلومية والعنف

مروان حبش- فينكس

إن المعايير والقيم التي يرجع إليها الفرد وتتحكم في أنماط سلوكه هي ما تقدمه جماعة ما أو أكثر إلى الفرد الذي ينتمي إليها، وتزيد هذه القيم والمعايير من صميمية العلاقة حتى حد التوحد مع الجماعة التي تغدو جماعته المرجعية.
إن الجماعة المرجعية، بهذا المفهوم، هي مجموعة إنسانية يرجع الفرد إليها ليحدد موقعه، وتكون قيمها ذات علاقة بالقيم التي اختارها، وتُستخْدَم الجماعة المرجعية بالتقابل مع جماعات الانتماء، أي مع الأوساط الاجتماعية التي يكون الفرد جزءاً منها، وهناك تفاعل مستمر وتراكمي يمكن أن يؤدي إلى تبني الاتجاهات الإيجابية لدى جماعة مرجعية أخرى.
إن تعدد ظهور الجماعات والتنظيمات في المجتمع الواحد يرجع إلى تعدد منظومات القيم والأفكار الجامعة التي يؤمن بها أفراد هذا المجتمع. فالمنظومة المؤثرة هي القادرة على تحويل التجمع الكمي من البشر إلى مجموعة منظمة وقادرة على التأثير، وذلك من خلال توفيرالإمكانية على خلق الفهم المشترك للغاية والوسيلة، وتوفير القدرة على الحشد من خلال بلورة مفهوم الـ"نحن".
تقوم المرجعية على أربعة عناصر أساسية: من نحن؟ ماذا نريد؟ كيف يمكن تحقيق ما نريد؟ ومتى يجب البدء بالعمل؟
وإن الاختلاف في أي من الإجابات ينجم عنه مرجعية أخرى تعمل على تأسيس هوية جديدة متفردة عما سواها. الأمر الذي يؤدي إلى تعدد في المجموعات والهويات في المجتمع. كما يعد أحد الأسباب المفسرة لتشظي وانشطار الجماعات بعد نشأتها.
إن أشد التباينات تكون عادة في تعريف من (نحن)، الأمر الذي قد ينتهي إلى تعدد المرجعيات الكبرى في المجتمع، والتي تغذي بدورها الانشقاقات العمودية في بنيته. وتعتبر المنظومات المرجعية المتمايزة بتعريف من "نحن" أحد الجذور المؤسسة للعنف، ففي حال تعرضت إحدى الجماعات لغبن شديد لم تتمكن من رفعه من خلال الحوار والتفاوض وطرق التغيير السلمية، فإنها ستنكفأ على نفسها وتلتف حول مرجعيتها الخاصة، بعد أن تنادي هذه المرجعية بخطاب يؤسس لمظلوميتها ويعمل على زيادة تمايزها عن محيطها وبلورة هويتها الخاصة بها.
تستمد هذه الجماعات رغبتها في إنجاز التغيير اللازم نحو غد أفضل، من الغبن الذي تراكم وعايشوه، ويتكون هذا الشعور بالغبن والتهميش نتيجة إدراك شذوذ الواقع وانحرافه عن ما يجب أن يكون عليه وفقا لمنظوماتها القيمية التي تستند للحرية والكرامة والعدالة كقيمٍ أساسية فُقدت في حياتها اليومية لفترات طويلة وبشكل كبير.
إن إحداث تغيير حقيقي في المجتمع لا يمكن إلا بوجود جماعات فاعلة شاعرة بالغبن والتهميش ومدركة للانحراف. ولن تتمكن هذه الجماعات من إحداث التغيير بدون امتلاكها القدرة على الإقناع والتعبئة والقدرة على الدخول في صراع من أجل جعل كلفة الإبقاء على الواقع المؤلم أعلى من كلفة التغيير. وهاتان القدرتان تتطلبان كفاءات تنظيمية وثقافة مناسبة ودراية واسعة ببيئة العمل وبأهداف ووسائط التنافس والصراع.
ولا يمكن لانتفاضة ما أن تكون ممكنة إلّا إذا وُجدت هذه الجماعات بقيادة سياسية وبرنامج واضح، وأيضاً، فإن استمرار الانتفاضات وتطور مآلاتها لا يكون ممكناً إلاَّ بتوفر القدرة الكافية على الإقناع والتنظيم والحشد.