كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الجامعة الإسلامية

د. عبد الله حنا

الجامعة الإسلامية بين أهداف السلطان عبد الحميد السلطوية
وتطلعات جمال الدبن الأفغاني التنويرية 
أراد السلطان عبد الحميد إستخدام جمال الدين الأفغاني لنشر سياسته المتعلقة بالجامعة الإسلامية، و إذا به يُفاجأ بمفهوم آخر للجامعة الإسلامية يعارض إستخدام الشعوب الإسلامية لتدعيم الهيمنة السلطانية. فقد كان الأفغاني يسعى إلى إستخدام شعار "الجامعة الإسلامية" للعمل على تحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الإستعمار واستنهاض هذه الشعوب للخلاص من الظلم الاجتماعي والسير في طريق التجديد المدني والديني. وهذا الموقف يبدو واضحاً في ممارسات الأفغاني وكتاباته في "العروة الوثقى" وفي خاطراته.
ويرى الشيخ رشيد رضا أن الأفغاني أول من نبّه المسلمين إلى مابينهم من التقاطع والتناكر ونبههم إلى ما يجب عليهم من التعارف والتعاون. [120]
معنى ذلك أن شعار الجامعة الإسلامية جرى إستخدامه في إتجاهين:
- اتجاه السلطان عبد الحميد الساعي إلى تثبيت دعائم الاستبداد وإستغلال المشاعر الدينية المناوئة للهيمنة الإستعمارية لترسيخ أركان الحكم العثماني الإقطاعي دون أن تجري مقاومة جدّية للهيمنة الإستعمارية.
- واتجاه جمال الدين الأفغاني الساعي إلى حشد القوى الشعبية المؤمنة في النضال ضد السيطرة الاستعمارية والعمل على تحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الإستعمار، إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
***
اتجاه الأفغاني هذا أشارت إليه جريدة المنار الاسلامية لصاحبها رشيد رضا. فتحت عنوان "الجامعة الإسلامية، وآراء كُتّاب الجرائد فيها" أوردت المنار عام 1899 أن "أول من كتب وخطب في بيان أحوال المسلمين الاجتماعية وتمثيل أمراضهم ودلالاتهم على علاجها وإرشادهم إلى الإتحاد وجمع الكلمة حكيم الأمة الكبير وفيلسوفها الشهير السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني (تغمده الله تعالى برحمته) فإنه كان قد وقف نفسه على تكوين ما نسميه اليوم (الجامعة الاسلامية). وكان أكثر سعيه لها من الطريق الأقرب – طريق تنبيه الحكومات المسلمة المستقلة إلى الإتحاد".
ولكن أباها الحاكمون فكاره           لها جاهل أو مكره وهو عالم
هذا البيت الشعري، الذي أوردته "المنار" يلخص موقف الحكام المسلمين من الجامعة الإسلامية ورفضهم لها بين جاهل لمراميها أو مُكره على رفضها.
وكانت أمنيات الأفغاني تحقيق الجامعة الإسلامية والوقوف في وجه الزحف الإستعماري عن طريق القوة المنظمة للحكومات الإسلامية الموجودة. ولهذا إلتجأ أولاً إلى شاه إيران فلم يجد عنده أذناً صاغية. فيمم وجهه شطر السلطان عبد الحميد، الذي تطلع إلى استخدام الجامعة الإسلامية لتحقيق أهدافه في الحفاظ على الدولة العثمانية تحت سيطرته الاستبدادية، وهذا يعني منع التطور نحو الحرية، التي كان الأفغاني ينشدها. فالسلطان عبد الحميد أراد استخدام الأفغاني في دعوته للجامعة الإسلامية وفي الوقت نفسه معاداة أفكاره الإصلاحية ودعوته إلى مناهضة الإستبداد.
وقضى الأفغاني نحبه عام 1897 سجيناً في قفص السلطان عبد الحميد. ولكن أفكاره، التي زرعها لاقت قبولاً في الأوساط المصرية المنفتحة على العالم وتبنى هذه الأفكار وطورها تلميذه الشيخ محمد عبده. وظهرت إلى الوجود سلفية نهضوية تنويرية دعت إلى مواكبة الحضارة الغربية (البورجوازية) والاستفادة منها وتعلم أساليبها في السير نحو الرقي. وكان لهذه السلفية النهضوية امتدادات واضحة في بلاد الشام.
***
وإلى جانب هذه الحركة السلفية النهضوية للأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهم، ظهرت حركات سلفية كالوهابية في شبه الجزيرة العربية والسنوسية في شمال افريقيا والمهدية في السودان اتجهت إلى محاربة النفوذ العثماني، ولكنها افتقرت إلى الجوهر الحداثي والحضاري، الذي تبنته الحركة السلفية النهضوية للأفغاني ومحمد عبده. 
***
وجاء تلميذ الأفغاني ومحمد عبده الشيخ محمد رشيد رضا القادم من طرابلس الشام إلى مصر لينشئ جريدة المنار السلفية، التي سارت في خط متعرج بدأ بمصانعة الاستبداد الحميدي ثم الوقوف ضده وقفة جريئة. وهذا الخط السلفي للمنار وصاحبها الشيخ رشيد رضا سار أيضا متعرجاً بين الأخذ من الحضارة الغربية أو الوقوف منها موقف الحذر. وسيكون لهذا الإتجاه السلفي لرشيد رضا أدوار مختلفة وشبه متناقضة أحياناً تبعاً للظروف التي عاشتها المنار ومركزها مصر في عمرها المديد بين عامي 1898 و 1935.